الخميس، 18 سبتمبر 2025

نص نثري تحت عنوان{{كرسي الحديقة}} بقلم الكاتب الأردني القدير الأستاذ{{كرم الدين يحيى إرشيدات}}


كرسي الحديقة
د. كرم الدين يحيى إرشيدات

حبيبتي،
كلما اشتدتْ عليَّ غفوةُ الحنينِ إليكِ، آتيكِ بلا تردُّدٍ
 إلى المكانِ الذي اعتادَني.
أجلس تحت شرفتِكِ،
 على مقعدِ الخشبِ
 عند طرفِ الحديقةِ المقابلةِ لشرفتِكِ.
اعتدتُ الجلوسَ هناك في الليلِ، 
أراقب نافذتَكِ من بعيدٍ،
 وأرى خيالكِ يتخفّى خلفَ ستارتِها.
ماذا أفعل؟
 كلما اشتقتُ إلى رائحتِكِ، 
جئتُ إلى هنا، 
أقضي ساعاتٍ طويلةً
 على هذا الكرسيِّ، 
حتى صرتُ أعرف عددَ مساميره 
وبراغيه.
صَارَ لنا صداقةٌ؛
 أكسرُ ساعاتِ وحدتي الجامدة
 بالجلوسِ عليهِ، 
وأحادثهُ عنكِ، 
أحدثُهُ عن أشواقي.
لا أُخفي عنه شيئًا. 
ساعَاتٌ طويلةٌ قضيتها برفقته.
لا أدري كيف لهوسي وجنوني
 أن يقوداني إليكِ،
 قاصدًا شرفتَكِ،
 لا أطمحُ سوى إلى خيالٍ
 أراهُ من خلفِ الستارةِ
 يطفئُ نيرانَ لوعتي وأشواقي.

يا يحيى...
حبيبي، يا من صار نبضُك كتابي وقصيدتي، 
جئتُك من بين طيّاتِ الصمتِ
 أحملُ ابتسامتي الضائعة
 وهذيانَ أيّامي.
لم أنسَ ابتسامتك،
 بل خبأتها في جيبِ الصبر، 
في زوايا انتظارٍ تعبتْ منها الساعات.
أعلمُ وأدركُ كلَّ مسمارٍ في كرسيك، يهمسُ باسمي، 
لأنَّ قلبي لا يفارقك 
وحنيني يربطُ الكلماتِ
 بعقدٍ من نور.
أعرفُ أنّ الزمنَ أرهقكَ،
 وأنَّ مشاغلَ الدنيا أضاعتكَ
 بين دفاتر الايام،
 لكنّك أنتَ الوطنُ؛ 
بغيابك تختفي بهجةُ المفاخرِ 
وتَصِبح الأشياءُ بلا طعمٍ.
اسمعني حبيبب
 أنا هنا،
 في وسطِ الكتابِ،
 في هامشِ السطر، 
في الحرفِ الذي لا ينام؛
 أتنفَّسك عشقًا، 
وأقيمُ في صدرك ملاذًا. 
أعلمُ أنّ قلبَك 
غارقٌ في غرامي 
كما أنا غارقةٌ بك.
لا تلُم صمتَك إنْ بدا ثقيلاً، 
فالصمتُ أحيانًا لغةُ قلبٍ
 لا يجد مفردةً كافيةً لوصفِ سحرك.
عودْ إليّ بعيونِك،
 أعدْ ترتيبَ مفاتيحِك بين يديّ، 
ودع لي ظلالَك أستلهمُها قَصائدي المسائية.
يا منارةَ روحي،
 يا أجملَ من القمر، 
لم أطلبْ من الحياةِ الا أن أكونَ بقربِك؛ لتعودَ الدنيا أزهارًا، 
ولتَعد كلماتُكِ نَدًا على شفتيّ،
 وليرجعَ الليلُ صديقَنا لا غريبًا.

ابقَ يا يحيى،
ابقَ حبيبًي؛
 لا تترك لَمَسَكُ يهربُ من يديك. 
فأنا هنا،
 قريبةٌ منك،
 أسمع حتى صدى مسامير كرسيك، وأعدك أنّ حبّي ليس ثرثرةَ أحلامٍ فحسب،
 بل عهدٌ وصدى وفاءٍ لا يَنام.

حبيبتي،
هل تعلمين؟
 وبدون قصدٍ لا أدري كيف
 حفرتِ حروفَ اسمِكِ على أحدِ أطرافِه.
دون أن أرى، 
كانت عيناي متجهتان إلى نافذتِكِ، 
وكانت أظافري لها حديثٌ خاصٌّ مع الخشب.
أعلمُ جيدًا كيف احتضنَ الكرسيُّ أحرفَ اسمٍ هو كلُّ الدنيا بالنسبةِ لي.

حبيبي،
أتعلمُ أنّي حين سمعتُك تبوحُ بما حفرتَ، شعرتُ أنَّ الخشب قد صار قلبًا نابضًا، وأنَّ الكرسيَّ الذي احتضنَ اسمي صار شاهدًا على عشقك الأبدي.
 ما أجملَ أن تُسكن الحروفَ في الأشياءِ الجامدةِ فتغدو حيةً بدفءِ لمستك. اسمُك محفورٌ في قلبي؛
 لا يحتاج خشبًا ولا جدارًا، 
يكفيه أن ينبضَ
 ليظلّ يرددك بلا انقطاع.

أحبُكِ يا يحيى.
أحبُكِ يا حبيبتي.

د. كرم الدين يحيى إرشيدات

الاردن 

ليست هناك تعليقات: