الخميس، 9 أكتوبر 2025

قصة قصيرة تحت عنوان{{عَتَبَةُ الظَّلام}} بقلم الكاتب القاصّ اللبناني القدير الأستاذ{{محمد الحسيني}}


 ببغاءُ الموت  1

"عَتَبَةُ الظَّلام"

الفجرُ لم يكتملْ بعدُ حين وصلتُ إلى الشقّة،
كان البابُ مفتوحًا على مِصراعَيْه، كفمِّ الهاوية،
والصَّمتُ يلتهمُ المكانَ كوحشٍ جائعٍ.

دخلتُ بخطواتٍ حذِرةٍ، على أطرافِ أصابعي،
كمن يدخلُ معبدًا منسيًّا،
أَضَعُ القُفّازاتِ البيضاءَ على يديَّ،
وأنفاسي تتصاعدُ في الهواءِ الباردِ كأشباحٍ صغيرةٍ.

في الصالون، كانت هي...
مارغريت هاريسون، مربيةُ الببغاواتِ الشهيرةُ،
راقصةُ الكلماتِ على ألسنةِ الريشِ،
مَن أمضت عشرينَ عامًا تُروِّضُ الصمتَ وتُعلِّمُ الطيورَ لغةَ البشرِ...

ممدّدةٌ الآن كدميةٍ مكسورةٍ على أرضيّةِ الصالون،
تغرقُ في بُركَةٍ من دمِها القاني،
عيناها مفتوحتانِ على اتّساعِهما،
تُحدِّقانِ في السقفِ كمن يبحثُ عن إجابةٍ لن تأتي أبدًا.

عنقُها يحملُ آثارَ نقراتٍ عنيفةٍ،
منقورٌ كجذعِ شجرةٍ عتيقةٍ،
والملامحُ... تحملُ نُدوبًا عميقةً،
نُدوبَ الخيانةِ الأخيرةِ.

رفعتُ نظري إلى القفصِ الكبيرِ في زاويةِ الغرفةِ،
حيثُ الظلُّ يتكاثفُ...
كان الببغاءَ الإفريقيَّ الرماديَّ يقفُ على العارضةِ كتمثالٍ من رمادٍ.
ريشُه منفوشٌ، ومنقارُه مُلطَّخٌ بالدماءِ الجافّةِ،
كأنَّه شربَ من نهرِ الجحيمِ حتى الثمالةِ.

حدَّقَ فيَّ بعينيهِ السَّوداوينِ اللتينِ تخترقانِ روحي،
ثمَّ فتحَ منقارَه ببطءٍ مُرعِبٍ...

ما خرجَ منه لم يكنْ صرخةَ طائرٍ،
بل استغاثةَ امرأةٍ مرعوبةٍ،
صدى امرأةٍ تحتضرُ، صوتُ مارغريت نفسِها:
"لِماذا؟... لِماذا تفعلُ هذا بي؟ أنا أحببتُك... أنا..."

ثمَّ سكتَ الببغاءُ فجأةً وأمالَ رأسَه،
كأنَّه يُدرِكُ ثِقلَ ما نطقَ به.

شعرتُ بقشعريرةٍ تسري في عمودي الفقري،
وأدركتُ أنَّ الموتَ في هذه الغرفةِ له ألفُ لسانٍ.
هذا ليسَ مجرّدَ حادثٍ...
هذا شيءٌ أكثرُ قَتامةً.

✍️ محمد الحسيني – لبنان

ليست هناك تعليقات: