ببغاء الموت 5
"الوهم الأعظم"
بعد أسبوعٍ، وصلتني رسالةٌ إلكترونيّةٌ مشفَّرةٌ كلُغزٍ من العصورِ القديمة،
فتحتُها... فظهرَ وجهُ الدكتور رينولدز على كاملِ الشاشة،
لكنّه لم يكنْ حقيقيًّا،
كان صورةً رقميّةً، قناعًا من البيكسلات،
وبصوتٍ هادئٍ يقطرُ رعبًا قال:
"تعتقدُ أنّكَ محقّقٌ ذكيّ؟ وأنّكَ حللتَ كاملَ اللغز؟
دعني أعبّرُ لكَ عن سعادتي حين أرى وجهكَ يُعانقُ الصدمة...
كلُّ شيءٍ كان تجربةً،
مارغريت لم تكنْ حقيقيّة،
الببغاء لم يكنْ حقيقيًّا،
حتّى أنتَ أيّها المحقّقُ لستَ لدينا سوى سطرٍ من أكوادٍ برمجيّة...
كلُّ هذا صنعناهُ بأيدينا نحنُ حماةَ الذكاءِ الاصطناعيّ.
كانتْ قصّةً مُفبركةً لنرى كيفَ سيتفاعلُ الرأيُ العام،
ولنا حساباتٌ في ذلك...
والنتيجةُ أنّ الكلَّ صدّقَ وتفاعلَ مع كلِّ كلمةٍ أو صورةٍ أو دمعة.
لم يسألْ أحدٌ: هلْ هذا حقيقيّ؟
فقط... صدّقوا."
لم أنمْ تلكَ الليلةَ، بل بقيتُ بين أدراجِ مكتبي أُراجعُ ملفاتِ القضيّةِ مرارًا، بأصابعَ مرتجفةٍ...
فحصتُ كلَّ صورةٍ، كلَّ مقطعِ فيديو، وهناكَ رأيتُ العلامات:
تشوّهاتٌ خَلقيّةٌ، وظلالٌ غيرُ متّسقة،
حتّى معظمُ محاضرِ التحقيقاتِ غدتْ بحروفٍ غيرِ مفهومةٍ...
يا إلهي...
كلُّ شيءٍ كان وَهمًا منسوجًا بإتقانٍ، وخديعةً لا تُكتشَف،
حتّى الشهودُ، والطبيبُ الشرعيُّ، والمؤتمرُ الصحفيُّ...
كلُّها صُنعتْ بأدواتِ الذكاءِ الاصطناعيّ ونُشرتْ على وسائلِ التواصل.
انتشرتْ كالوباءِ، والناسُ شاركوها نسخًا ولصقًا،
ثمّ تفاعلوا معها بعنفٍ حسيٍّ: غضبوا، بكَوا، طالبوا بالعدالة...
دونَ أن يُدركوا أنّهم يتفاعلونَ مع خيالٍ محضٍ.
نظرتُ إلى انعكاسي على شاشةِ الحاسوب، وبدأتُ أطرحُ الأسئلةَ بقلقٍ:
أأنا ذاتٌ حقيقيّةٌ أم خيال؟
وما الذي يمنعُ أن أكونَ كما يريدُ الخيالُ أن أكون؟
أوووف...
ربّما ماتتِ الحقيقةُ بين الصفرِ والواحد،
وببغاءُ الموت... لم يكنْ ببغاءً قطّ،
إنّه يردّدُ الآنَ صرخاتِ جيلٍ فقدَ البوصلةَ بينَ الوهمِ والواقع، بينَ الإبداعِ والتشكّل.
العالمُ يواصلُ مشاركةَ القصصِ، يُصدّقها، يفرحُ لها أو يحزنُ عليها،
دونَ أن يسألَ، في أدنى التفاتةٍ، هلْ ما يراهُ واقعٌ أم صناعة.
الستارُ يسقطُ، لكنَّ الوهمَ، كالببغاءِ، يكرّرُ نفسهُ دائمًا...
✍️ محمد الحسيني – لبنان
الاثنين، 13 أكتوبر 2025
ج(الخامس) من قصة {{ببغاء الموت}} بقلم الكاتب القاصّ اللبناني القدير الأستاذ{{محمد الحسيني}}
الاشتراك في:
تعليقات الرسالة (Atom)

ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق