قبل ان يصالحني الحنين
سأعلن اعتزالي
د.كرم الدين يحيى إرشيدات
حبيبتي
اليوم سأعلنُ اعتزالي،
وفشلي،
اليومَ تكونُ خاتمةَ ثنائياتي
التي كتبتُها بأحبارِ دمي.
أعترفُ
بأني عجزتُ،
نعم، عجزتُ ورفعتُ رايةَ استسلامي.
كُنّا لا نفترقُ لحظة،
وإن افترقنا،
كان يجمعُنا الحُلمُ سويًّا.
أطربنا اللغاتِ والحروفَ بشدونا،
وغنّينا للحياةِ لحنَنا الأول،
حتى سمعتنا الدنيا كلُّها.
واليومَ
تتسابقُ الظلالُ لتسكنَ عالمي،
وقناديلُ الحُبِّ جفَّ زيتها،
واتّسعت الهوّة،
وطال الانتظار،
وأنا ما عدتُ أنا...
أهلكني السهرُ،
وغابت عني ملامحُ الفرح.
حبيبي
يا نبض قلبي ومهجة عيني
يا عاشقي...
أما زلتَ تكتبُني وجعًا؟
ألم تقل إن الحُبَّ لا يُهزَم؟
إننا إن افترقنا جسدًا،
نبقى روحًا واحدةً ترفرفُ بين الحرفِ والنجمة؟
ما خبتَ، بل أنضجكَ الوجع،
وما انهزمتَ، بل غلبتَ الحنينَ بالحرف.
حبيبتي
لكنّي ما عدتُ أجدُني،
وحروفي صارت ضَحلة،
تخلو من وهجِ المعاني،
وأنفاسي تائهةٌ بين جرحٍ وذكرى.
يا يحيى
بل أنتَ أنت،
وما تغيّرَ إلا ظلُّكَ في المرايا.
الحُبُّ لا يموتُ يا أناي،
هو فقطُ يختبئُ قليلًا
ليعودَ أصفى وأبهى.
حبيبتي
إذن، دعيني أصمتُ قليلًا،
فلعلّ الصمتَ يكتبُ عنّي
ما عجزتُ عن قوله.
حبيبي
واصمتْ إن شئتَ...
لكن لا تنسَ أني هناك،
في آخرِ النور،
أنتظرُ حرفًا منك
يعلنُ بدءَ ثنائيتنا القادمة.
حبيبتي…
الثنائيةُ تحتاجُ قلبًا متوهِّجًا،
وأنا قلبي أوجعهُ البُعدُ غيرُ المبرَّر.
فالحبُّ يا غاليتي
لا يعرفُ البُعد، ويمقتُ الهجر.
غيابُكِ تركَ فراغًا كبيرًا
في نفسي…
في روحي…
وفي حياتي،
وكنتِ على الدوام
نقطةَ ضعفي التي لا أتعافى منها.
مللتُ الأعذارَ يا حبيبتي،
ومللتُ ساعاتِ الانتظار.
الليلُ طويلٌ وبارد،
والساعةُ بدونكِ تمرُّ كأنها ألفُ عام.
أنا لستُ مراهقًا لتسبقني دموعي،
لكنّي أشعرُ بخذلانٍ
يسكنُ عالمي…
ويطفئُ في عينيَّ ضوءَ النهار.
أنتِ من وضعتِني
في زوايا الفقدِ والحرمان،
وأنتِ تعلمين…
ما أحببتُكِ إلا لأنّي رأيتُ الإنسانةَ فيكِ،
قبلَ الأنثى،
وقبلَ الحلم،
وقبلَ كلِّ ما يُغري في العيون.
حبيبي…
ما كنتُ يومًا عنك غيابًا،
ولا كان قلبي يعرفُ الفراق.
لكنّ للأقدار تصاريفَها،
تجعلنا أحيانًا نُخفي الشوقَ
خلفَ ستائرِ الصمت،
ونغيبُ حضورًا…
لا رغبةً.
كنتُ أراكَ في كلِّ لحظة،
في رعشةِ الحنين،
وفي ارتباكِ ملامحي حين يمرُّ طيفُك.
وما كنتَ نقطةَ ضعفي،
بل كنتَ كياني الذي لا أُشفى منه.
أعلمُ أنَّ صبرَك قد تكسّر،
وأنَّ قلبَك قد أرهقَهُ الانتظار.
لم أقصد أن أتركك تهيمُ في البُعد،
ولا أن أزرعَ فيك خذلانًا أو انكسارًا.
آهٍ لو تعلم…
كم يوجعني أنك ظننتَ البُعد جفاءً،
وأنك رأيتَ في صمتي انطفاءً.
آسفةٌ يا حبّي،
فأنا أيضًا تأذّيتُ من الفقد،
وأنا أيضًا…
كنتُ أحبّ الإنسانَ فيك،
قبل الرجل،
وقبل القصيدة،
حبيبتي
عدتُ إليكِ على استحياء،
كمن يطرقُ بابَ النورِ بعدَ ليلٍ طويل...
جئتُ أبحثُ عنّي في ملامحِكِ،
وأستعيدُ من أنفاسِكِ ما تبقّى منّي.
كنتُ أظنُّ أني اعتزلتُ الكتابة،
لكنّي اكتشفتُ أني أكتبُكِ
كلَّ لحظةٍ دونَ وعي،
أتنفّسكِ في الحروفِ،
وأسكنُ بينَ السطرِ ونقطةِ الختام.
حبيبي
وأنا ما فارقتُ دفاتركَ يومًا،
كنتُ أراكَ في كلِّ نصٍّ مؤجّل،
وفي كلِّ صمتٍ يحاولُ أن يتكلم.
حين هجرتَ القلم،
كتبتَني بدمعِكَ،
وحين أعلنتَ الانسحاب،
كنتَ تقتربُ أكثرَ ممّا ظننت.
حبيبتي
يا نَفَسي...
علّمتِني أن البُعدَ امتحانٌ للحبّ،
لكنّني رسبت فيه،
فما أقسى أن أشتاقَ ولا أستطيعَ الوصول،
أن أكتبَكِ وأخشى الورق،
أن أذكركِ فيغتالني الوجع.
حبيبتي
الحبُّ لا يُقاسُ بالوصول،
بل بالنبضِ الذي لا ينطفئ.
ألم أقل لك؟
كلُّ المسافاتِ بيننا عارية،
إلا من الشوقِ الذي يكسوها بلقاءٍ مؤجّل.
إذن عودي إليَّ كما كنتِ،
همسًا من نور،
وأغنيةً من سُكُون،
عودي لأكتبَكِ من جديد،
ثنائيةً لا تعرفُ النهاية.
حبيبي
أنا هنا،
ما غبتُ إلا كي أراكَ أصدق،
وما صمتُّ إلا لأسمعَ وجدانَك أكثر.
فاكتبني كما تشاء...
لكن لا تكتب النهاية.
احبك يحيى
احبك حبيبتي
د.كرم الدين يحيى إرشيدات
الاردن

ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق