عمو حسن عارف كل حاجة 5
"مولد وحكاية رز بلبن"
(خُماسية شعريّة عن حارة بتحكي وحلّاق بيسمع )
الساحة مليانة ناس،
واللّمبات الملوّنة معلَّقة بين البيوت زي نجوم نازلة على الأرض،
ميكروفونات ودُفوف،
وشيخ مع فِرقته ينشد:
"يا حبيبي يا محمد… فاز مَن صلّى عليك".
عمو حسن واقف في الصفّ الأول، بيصفّق والوشّ منوَّر.
جنبُه أبو سمير ومراته قاعدين على طرابيزة يوزّعوا رز بلبن.
أبو سمير يهتف:
"اتفضّلوا يا جماعة! ده رز باللبن بتاع الست هانم!"
مراته تضحك:
"يا راجل! إنت بتقولي الست هانم هنا؟ طب في البيت بتقولي يا وِليّة!"
فيضحك:
"ده في البيت! أمّا في المولد… كلّ حاجة ولها حاجة!"
تقرّب منو وتهمس وهي تضحك:
"لسّه فاكر لما كدبت عليّا وقلت رايح مؤتمر؟"
فيردّ وهو يضحك أكتر:
"وإنتي لسه فاكرة لما عملتي نفسك مصدّقاني؟"
واحدة من الجيران تمدّ إيدها لِكوباية رز بلبن وتقول:
"ربنا يديم المحبّة بينكم!"
عم عبده ومراته واقفين يهزّوا راسهم مع الإيقاع،
جار يقول له:
"يا عم عبده! قصة شعرك عجبتني النهاردة!"
يمسح شعره بفخر، ومراته تضحك:
"ده كان عايز يحلقه أصلع زي بتوع التيك توك! وأنا قلتله هتبقى زي بيضة مسلوقة!"
يضحك عم عبده ويقول:
"يا سِتّي خلاص بقا… اللي حصل حصل. استرينا بقه"
عم فرج شايل حفيده مصطفى – لابس تيشيرت البطل السري –
الطفل يقفز من الفرح:
"جدو! عايز ألعب كورة!"
فيردّ:
"يلّا يا بَطَل!"
يجري الولد على الساحة،
وأدامه ولاد الحارة بيلعبوا كورة… ووسطهم دكتور وليد.
أيوه… دكتور وليد، لابس جينز وتيشيرت، بيجري ورا الكورة زي العيال.
حمادة يصرخ:
"باص يا دكتور! باص!"
الدكتور يمرّر الكورة… تروح في الاتجاه الغلط.
الولاد يضحكوا:
"ده دكتور أسنان مش لاعب كورة!"
يضحك الدكتور وهو يلهث:
"أنا جامد في الأسنان بس!"
والكورة تطير وتصيب كرسي جنب واحدة ست،
فتصرخ:
"يا ولاد! روحوا بعيد!"
والولاد يجروا يستخبّوا،
والدكتور يحاول يستخبّى بينهم وهو يصفّق مع المنشد كإنّه ما عملش حاجة.
الزحمة تهدى شوية…
وتدخل العمة وبنتها زينب وجوزها – اللي رجعلها –
ومعاهم الشاب النحيف.
الناس تبص وتهمس:
"هو ده اللي سرق الجمعية؟"
"أيوه… بس اعترف ورجّع الفلوس!"
"ما شاء الله… راجل!"
يقربوا من عمو حسن.
العمة تمسك إيد زينب وتقول:
"ربنا يخليك يا عمو حسن… إنت اللي خليت الولد يعترف."
الشاب بعينين مبلولة:
"أنا كنت خايف… لكن حضرتك علّمتني إنّ الخوف أصعب من الاعتراف."
يربّت عمو حسن على كتفه:
"إنت دلوقتي راجل بجد."
أبو سمير يهمس في ودن عمو حسن:
"الولد اعترف للعيلة كلّها، ورجّع الفلوس… وجوز البنت سامحها ورجع لها. الحمد لله كله اتصلّح."
يبتسم عمو حسن ابتسامة دافئة ويقول:
"الحمد لله."
يسكت المنشد لحظة،
وتهدا الدفوف،
والناس تاخد نفسها.
يقف عمو حسن في نصّ الساحة،
يبصّ حواليه:
الأولاد اللي لسه بيلعبوا،
أبو سمير ومراته اللي بيضحكوا،
عم عبده ومراته الماسكين إيد بعض،
الدكتور اللي أول مرة يلعب،
والشاب اللي اعترف وارتاح…
وزينب اللي رجعت بيتها.
يأخذ نفسًا عميقًا ويقول بصوت واطي لكن نقي:
"أنا قاعد في المحل من أربعين سنة…
بسمع الناس،
وبشوفهم بيجوا خايفين… ويمشوا مبسوطين.
وأكتر حاجة اتعلمتها:
الناس مش محتاجة حد يحلّ مشاكلها…
الناس محتاجة حد يفكّرها إنها تقدر.
كلّنا بنغلط…
كلّنا بنخاف…
لكن جمالنا الحقيقي مش إنّنا كاملين،
جمالنا… إنّنا بنحاول نصلّح.
وده كفاية… والله كفاية."
يسود صمت…
ثم يبدأ شخص يصفّق،
ثم اثنان… ثم الساحة كلها.
يرفع المنشد صوته:
"يا حبيبي يا محمد… فاز مَن صلّى عليك"
والناس تردّ:
"اللهم صلِّ وسلّم عليه!"
يرجع عمو حسن لكرسيه الخشب،
يبصّ للسما اللي مليانة نجوم ولمبات،
وقلبه مليان.
بكرة هيفتح المحل،
وهيسمع أسرار جديدة…
لكن دلوقتي،
هو بس عايز يتفرّج على المولد،
وده… كفاية.
✍️ محمد الحسيني – لبنان

ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق