سما شوقًا فؤادُكَ للربابِ
..
سما شوقًا فؤادُكَ للربابِ
وما أضناهُ ترويضُ العرابِ
ومَن يرجو من الحوراء قربًا
تهونُ عليه نازلةُ الصعابِ
منعمةٌ يكادُ الجلد منها
يشققه الحريرُ من الثيابِ
وريقتُها تغشي العقل سكرا
كأنّ الخمرَ عُلّلَ بالرضابِ
إذا طلعت أضاءت لي زماني
كشمسٍ قد تبدّت من سحابِ
وإن غابت تراكم بي ظلامٌ
كشمسٍ قد توارت بالحجابِ
فقلتُ مواسيا للنفس صبرًا
زماني داؤُهُ مثلُ الضبابِ
فكم عجز الأطبّةُ عن سقيمٍ
كأنّ شفاءَهُ تحت الترابِ
تباعدَ من ديار الأهل فردًا
تجورُ عليه ناجيةُ الركابِ
كأنَّ الأرضَ ساغبةٌ وفيهِ
غناءٌ للعطاشِ وللسغابِ
كأنّ مطامعَ البُخّالِ فيها
ترى في نفسهِ أحلى الرغابِ
تركناهُ ولم نقبرهُ خوفًا
كأنّا قد زهدنا بالثوابِ
ألستم واقفين لنا فإنّا
نرى نعشَ الأحبّةِ والصحابِ
فكيف إذا مررتَ على ديارٍ
كأنَّ طلولها رسمُ الكتابِ
ديارِ أحبّةٍ خرساءَ أضحتْ
تَمَنَّعُ بالتحيةِ و الجوابِ
أعاتبُ دمعةَ العينين تجري
ولا ترضى المدامعُ بالعتابِ
وغيدٍ كالدمى ظلّت تغطّي
تخافُ البأسَ بسماتِ العِذابِ
كحورِ الخلد لم تُطمَثْ لإنسٍ
ولا جنٍّ من البيضِ الكعابِ
حواري قد دهتهنّ الليالي
رغيدَ العيشِ ألوانَ العَذابِ
بعيدانِ الأراكِ يمحنَ ثغرًا
فكاد العودُ يورقُ باللعابِ
كأنّ ثغورها درٌّ نضيدٌ
أو البردُ المنزَّلُ من سحابِ
ألسنَ المذهباتِ لكلِّ همٍّ
فماللداءِ يفتكُ لا يحابي
وهنَّ صواديًا يروينَ صبًّا
ولو كان الظما في وقدِ آبِ
فلو أنّ الضليلَ رأى ربانا
لما أبكته أحجارُ الكُلابِ
كأنّ منازلَ الأحياءِ فينا
قبورًا قبل آجالِ الكتابِ
إذا رمتَ الجواب فسلْ قبورًا
فإنّ جوابَها فصلُ الخطابِ
عهدنا الصبحَ للمهمومِ ربحًا
فمالِلصبحِ ينذرُ بالخرابِ
وقد قطع الأحبةُ كلَّ وعدٍ
وما تجدي المواعدُ بالخلابِ
أرى وصل الأحبةِ بعد قطعٍ
وجودَ الماءِ في لمع السرابِ
تساوى الناسُ كلهُمُ جميعًا
سواءً في البيوتِ وفي القبابِ
فلا شمُّ الجبال تردُّ داءً
ولا المخفيُّ في بطن الشعابِ
إلى ملك الملوكِ يقادُ قسرًا
بأطواقِ الحديدِ على الرقابِ
وخضّبتِ الدموعُ أكُفَّ غيدٍ
منعّمةِ الأناملِ بالخضابِ
وضربُ الغانياتِ ورودَ خدٍ
أشدُّ عليَّ من ضربِ العِضابِ
غضابًا والأسى جاثٍ عليها
وأنفسنا فداءٌ للغضابِ
غوانٍ لو دنت للشيخ يومًا
تمنَّى الشيخُ ميلادَ الشبابِ
نصدُّ عن الخليل إذا لقينا
كأنَّا بالمعبدَةِ الجِرابِ
ويمنعنا السلام عليه حرزٌ
تلقّاهُ الأطبّةُ بالعجابِ
أو الرجل الذي نبئتَ عنهُ
يشارُ إليهِ بالفعلِ المعابِ
ومَن لك في عدوٍّ لا تراهُ
يقارعُ دونَ معترَكِ الضِرابِ
فلا رفع الأسنةَ يوم يغزو
ولا الراياتِ تخفقُ كالعقابِ
جحافلُ لا يبّقي حين يسطو
سريعًا في الفناءِ وغيرُ كابي
شياطينُ البلادِ جحرْنَ منهُ
إذا تبدو رماها كالشهابِ
فحدباءٌ من البلوى غزانا
يهدُّ الشامخاتِ من الهضابِ
بلاءٌ ماخضٌ في كل حيٍّ
من الأحياءِ مخضًا كالوطابِ
إذا رمتَ الحروبَ فخذ عدوًّا
يقارعُ بالأسنّةِ والحرابِ
ولات مناصَ من أمر البلايا
إذاما حُمَّ في أمِّ الكتابِ
..
الشاعر عبدالقادر الموصلي
