كلنا جنود
............. قصة قصيرة
كل مدينة أسافر اليها أحبها وأجد فيها ملازى تصير جزا ً من ذكرياتى ..الحروب شريرة تقتل بدون رحمة ..تزهل عقولنا ويمزقنا الفراق والاحزان ..تبكي أعيننا ونحن نودع شهدائنا كل ساعة ..وترى أنكسارا ً فى النفوس والقلوب المشبعة بالجروح والأحزان ...كان لزاما على ّ أن أذهب إلي بغداد كى أقدم واجب العزاء فى والد صديق لي.. والأوطان لها رجالها الذين يكونون وقودا لتلك الحروب التي تفرض عليها ..والحرب ليس فيها منتصرا ً ..المهم أن الوطن يظل صامدا أمام من يريدون النيل منه أي كانت الخسائر ..والحروب دائما تأكل الورود ..يوم شديد الحرارة من شهرآب كما هو المعتاد من كل عام ...صعدت إلى الباص من مدينة كربلاء متوجها إلي مدينة بغداد..قبل أن يتحرك الباص سمعت صوت السائق يصرخ ..
لاتوجد أماكن سيدي..
قال له لا عليك سأقف ..
و صعد رجل عسكري لم أكن أتبين رؤية رتبته العسكرية ..
عندما أقترب مني ..
خلع عن رأسه الكاب العسكري ..
أستند على أحد الكراسي.كان برتبة رائد أو كما أعتقدت أنا ..
بينما أنا أجلس على الكرسي أتململ شفقة عليه بعد مرور أقل من عشرة دقائق نهضت من مكاني ..
ذهبت إليه ..
تفضل سيدي أجلس مكاني
نهرني قائلا ًلا لا لا ..
أنا أرتضيت على نفسي ذلك ..
قلت إذا سنقف سويا ..!
وأنا ابتسم له وأترجاه أن يجلس مكاني ...
أنا شاب وأستطيع أن أتحمل ..
ولا يصح أن أجلس وأنت واقف ..هكذا تعلمت أن أقف للكبير ولا أجلس إلا إذا جلس الكبير ..فأرجوك
ذهب على مضض وجلس مكاني وهو ينظر لي سعيدا ً مبتسما ً
جميل أن ترسم السعادة على وجوه من تقابلهم سواء تعرفهم أو لاتعرفهم
وقفت أنا سعيدا ًفى منتصف الباص
أخذت أتطلع إلى الأماكن من زجاج الباص
والحر قاتل
نهرني الذى أقف بجانبه .!
لماذا وقفت له .؟
أبتعدت قليلا ًعنه ولم أرد.. بينما هو ينظر لي بوجه عابس
قاربنا من بغداد الأن
دخل الباص الجراج العمومي فى منطقة العلاوي
توقف الباص وسط أمواج من الجنود العائدين من الجبهة بعد قرار وقف إطلاق النار
8 اغسطس 1988
الحقائب تلقى علينا من النوافذ
وجنود يتسلقون الباص من النوافذ..أصبح التنفس مستحيلا ..لا أحد يستطيع النزول
سمعت صوت صراخ رضيع (1)
وأمه تصرخ خائفة على رضيعها .هي أمامي برجلين ..تسللت حتى وصلت إليها .أخذت رضيعها ..ورفعته إلي أعلى حتى يتمكن من التنفس وسط الزجام الشديد والصراخ داخل وخارج الباص
جعلت السيدة خلف منى .وأمرتها أن تمسك جيدا ًبقميصي ولا تتركه أبدا ً
رويدا ًرويدا وبشق الانفس ًوصلنا إلى الباب
ياهول ما نرى أمواج كثيرة من الجنود ..كيف نعبر كل هذا البحر المتلاطم
الرضبع يصرخ وأمه تبكي
وأنا غارق بالعرق والفكر
نزلت إلى الأرض
جعلت الرضيع أعلى كتفي الأيسر يصرخ
وبالزراع الأيمن أشق ممرا ً كى تعبر منه ً
بعد جهد بالغ أخيرا ًخرجنا من هذا البحر المتلاطم
وقفنا فى مكان هادىء قليلا . نلتقط انفاسنا .
جائنا شابان يتحرشان بي
أش عندك وياها
صاحت السيدة فيهم أنت أيش عليك
وفوجئنا برجل يضرب الشابين بالحزام العسكرى حتى أوسعهم ضربا ً وفروا من أمامه
جائنا مستطلعا ًكيف حالكما الأن ؟
سيدي الضباط
إى نعم
نحن بخير ياسيدي
وكيف أنت ؟
أنا كنت خلف السيدة مباشرة كى أحميها
بعدما رأيتك تحاول أن تنقذها هى ورضيعها بمفردك
جئت خلفكم ..
عدل من زيه العسكري ووقف على بعد خطوة مننا ووضع الكاب العسكرى فوق رأسه
وأعطاني التحية العسكرية
قائلا ً لي
لقد صنعت عملا ًبطوليا اليوم شكرا لك .
بينما أنا اؤدي له التحية العسكرية
أردد....
كلنا جنود يافندم
....................تمت .....................
بقلم // جمعه عبد المنعم يونس //
جمهورية مصر العربية
أشارات
(1) الى ذلك الرضيع الذى تجاور الأن عمره ثلاثون عاما ..ربما قد يكون الأن بساحة التحرير او بأي موقع يدافع الأن عن تراب العراق الغالى
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق