الأحد، 27 يوليو 2025

قصة تحت عنوان{{في عتمة الحافلة}} بقلم الكاتب القاصّ الأردني القدير الأستاذ{{ تيسيرالمغاصبه}}


"في عتمة الحافلة "
  سلسلة قصصية 
        بقلم :
 تيسيرالمغاصبه 
،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،
      يادنيا 
        -٤-

شعرت بصداع مصاحب  لارهاق شديد يجتاح  جسدي بأكمله..أمسكت رأسي بواسطة كفي ،قالت :
-إهدأ ياعزيزي ..هل تشكو من ضغط الدم أو السكر وماشابه ؟
-لاأعلم ..فأنا لاأستلطف الأطباء ولهذا لاأزرهم. 
قالت وهي تنهض لإنزال حقيبتها من رفوف الحقائب العلوية:
-لاتستلطفهم ..!! أم تخشاهم..!! أم تخشى المرض..!!حقا أن الرجل يبقى طفل كبير!؟
جلست  من جديد.. فتحت حقيبتها ..أخرجت جهاز فحص السكر في الجسم ..وأداة ثقب الأصبع وقالت ملاطفة:
-أعطني أصبعك دادا  ههههه لكن  دون أن تبكي؟
أخذت من طرف أصبعي  نقطة الدم التي ظهرت  ووضتعها على شريط الجهاز وقالت :
-الدرجة جيدة ..ممتاز؟
أعادت  الجهاز  إلى حقيبتها وقالت وهي تخرج جهاز فحص ضغط الدم المحمول:
-أنا أحرص  دائما على وجود  كل شيء في حقيبتي ، لقد أورثتني الحياة السكر وضغط الدم وغير ذلك، أعطني ذراعك ..أتعلم ..أنت تكاد أن تشبه شخص أعرفه ..هذا فيما لو كنت أصغر عمرا من ذلك ولست عجوزا ههههه لقلت أنك هو ..لكن هو الأن في نفس عمرك..أه.. كم أتمنى له السعادة.. يبدو أنك ترهق زوجتك كثيرا ههههه وهي الأن ربما تجوب الحارات والشوارع بحثا عنك أيها الشقي ههههه؟
كشفت عن ذراعي ومددتها أمامها ..لكن ماأن أمسكت بذراعي حتى إرتعش جسدها  بأكمله وضغطت عليها بقوة ونظرت إلى سقف الحافلة مغمضة عينيها وتمتمت:
-يالهي ..ياالهي لماذا الأن أيتها الأقدار ..لم يكن أي داع !؟
ثم أخرجت نظارتها الطبية من الحقيبة ووضعتها على عينيها 
وأخذت تتأمل  وجهي  للحظات ،ومن ثم تابعت فحص ضغطي وقالت بصوت متحشرج:
-أن ضغطك أيضا ممتاز ،لازلت "تتدلل"؟
-أشكرك لقد أتعبتك معي .
تأخرت في الإجابة ثم قالت عبارة المجاملة المتداولة بين الناس  :
-بل أن ماتسسببه لي من تعب بل  هو  راحة لي ؟
أعادت كل شيء إلى مكانه ..مسحت دموعها وصمتت كما وأنها تذكرت ابن غائب.
خيم الصمت لدقائق ..لكن كنت أحدثها بينما هي تنظر في  وجهي متأملة دون أن تتكلم ..فكانت  تبتسم إبتسامة ممزوجة بالمرارة  والاشفاق معا.
مرت بنا المضيفة في أخر جولة لها قبل وصول الحافلة إلى نقطة التفتيش وذلك يعني الوصول إلى ميناء العقبة ،قلت لها:
-أتسمحين لي بأن أعزمك على نسكافيه؟
قالت :
-لا ..أن النسكافيه مضر بالصحة؟
ثم نظرت إلى المضيفة وقالت :
-إثنان ماء من فضلك دادا ؟
بعد أن ذهبت المضيفة ،قلت :
-لكني مواضبا على  شرب النسكافيه منذ أيام الشباب ؟
قالت بسرعة  و قد حسمت الأمر:
-نسكافيه لا ..ثم أنا أعلم ذلك..أ.....أقصد يبدو عليك ذلك؟
أخذت بتأمل  تقاسيم وجهها مجددا  والتي أعادتني إلى الوراء لسنوات ..لو كانت صغيرة لقلت أنها هي ..هي ذاتها ..أو على الأقل عندما تكبر ستكون هكذا ..هكذا تماما ..على تلك الصورة فتخيلتها في تلك اللحظة صغيرة تجلس إلى جانبي ..لو لم تفرقنا الأقدار ..أو بالأحرى لوكنت أنا أكثر تعقلا لما أضعتها..لاأدري لماذا نحمل مسؤولية أخطائنا دائما للأقدار، أنا الحبيب  الذي حطم  قلب محبوبته  بتردده ؛رفضتها أمي لأنها تكبرني بعشرة سنوات ..رضخت  لرغبة أمي المريضة بالقلب ولم أغضبها خوفا من أن أفقدها..ولكني الأن فقدت أمي وحبيبتي ..فقدت الإثنتان معا.
لم أكن أعلم بأنها هي أيضا كانت تتأملني في الوقت نفسه،
أخرجتني من ذلك الشرود كله والتساؤلات  وفاجئتني بقولها:
- لاتفكر كثيرا ياعزيزي أنا ناديه ذاتها ؟
-ناديه !!
-نعم ..سبحان الله يقال الأحياء لابد أن يلتقون؟
-أنا...
-لازلت كما أنت ..تقسو على نفسك وبشدة؟
-ناديه أنا...أنا ..
-أنت ماذا يامن طعنتني بقسوتك وتخليت عني وحطمت قلبي ؟
-أنا لازلت  أحبك. 
-تحبني!! ليس هكذا يكون الحب ياعزيزي ..أن الحب وفاء وتضحية في سبيل الحبيب ..لا تضحية بالحبيب؟
-أنا بحاجة إليك يانادية ..أنا بحاجة إلى من  اضمها إلى صدري .. أنا ..أنا الأن ..بحاجة إلى من أريح رسي على ركبتها وتمسح شعري ..لا زلت طفلك المدلل ..لازلت ..
-لكن أنت  من أخترت  الخروج من حياتي؟
-لقد ..كانت لي ظروفي التي تعلمينها.
-والأن هل تلاشت تلك الظروف ياعزيزي ..لقد أعطيتك  قلبي ..وحبي..بينما أنت لم تعطني سوى  الألم والمرض ..والأن تتعلل بالظروف ، لكني بقيت على حبك..بقيت وفية لك طوال ذلك الوقت ..وبالرغم مما بدر منك..آه..ويعجبني ذلك الطفل الذي بداخلك؟
-وأنا أيضا لازلت ...
-لكن مع طول  الفراق إنتهى العمر ياعزيزي؟
-وليكن..أن العمر ينتهي فعلا لكن الحب لاينتهي أبدا ..أنا لن أتخلى عنك بعد الأن..لن أفقدك بعد الأن.
وصلت الحافلة إلى نقطة التفتيش،وعندما رأت ناديه عيناي المرورغتان بالدموع قالت  بعد أن تنفست الصعداء :
-حسنا ..حسنا..لنؤجل ذلك الحديث ياعزيزي؟
شعرت ببارقة  أمل وقلت بلهفة الصغير:
-حسنا.
ترجل الجميع من الحافلة ..تم تفتيش الحقائب جميعها..بعد الانتهاء من التفتيش صعد الجميع من جديد إلى الحافلة ..لم تصعد ناديه بعد ،جلست على مقعدي من جديد محنيا ظهري ناظرا إلى سلم  الحافلة  منتظرا صعودها؛ وأنا في حقيقة الأمر أعلم بأستحالة اللقاء من جديد في خريف العمر، لكن كان لدي بصيص أمل وأني  أخيرا بأني ربما أحتفظ بما تبقى من اطيافنا بأجمل ذكرى في حياتي كما نحتفظ بالرسائل القديمة في زمن مضى ولن يعود ، وتذكرت في تلك اللحظة لماذا ارتعش جسدها وإنهمرت دموعها وتغيرت ملامحها عندما كشفت عن ذراعي كي تقوم بفحص ضغط الدم لدي؛ لقد رأت قلب الحب الموشوم على ذراعي وبداخله  حرفينا ..حرف أسمي وحرف أسمها.
لكن إذا كتبت لنا الأقدار أياما سعيدة  فأني بلاشك سأكون خادمك يا نادية.
  إنطلقت الحافلة من جديد ،وقفت ..ناديت على المضيفة ..قلت لها:
-أن المسافرة على هذا المقعد لم تصعد بعد؟
قالت :
-نعم  أعلم ذلك  لكنها  لم ترغب بمتابعة الرحلة معنا ،لقد غادرت .

                               "إنتهت القصة "

                            وإلى قصة أخرى 

تيسيرمغاصبه 

ليست هناك تعليقات: