هيَ لا تُحِبُّ الزُّهُور***
.............................
تَقومُ قَبلَهُ بِنِصفِ نَوم،
تَتفَقَّدُ أزرارَ القميصِ كأنَّها تَتحسَّسُ أمانَ قلبِه،
تَضعُ عِطرَها في طيَّةِ الياقة،
وتَتركُ شَفَتَها تُقبِّلُ عُنقَ القماشِ بخِفَّةِ مَن تُخفي لهفَتَها.
حينَ يستيقظُ،
تُحضرُ له قهوةً تَشربُها بعينيها،
تُقلِّبُ الملعقةَ بين أصابعِها
كما لو كانت تُدوِّرُ وقتًا لا تُريدُه أن يَمضي.
وهو،
يتحرَّكُ ببطءِ رجلٍ يعلمُ أنَّ خلفَه قلبًا يتدلّى من الستائر،
يمشي على رؤوسِ قلقِها
ويَسهو عن أنَّ خُطوَهُ يُربكُ ترتيبَ أنفاسِها.
تَقول له وهي تُمسكُ حقيبتَه:
ـ لا تَنسَ أن تَبتسمَ للبائعِ العجوز،
ذلك الذي يُشبهُ أبي حين كَبُر،
ولا تُحادثِ الزَّهرَ كثيرًا،
الزُّهورُ تَخونُ حين تُحَبُّ أكثرَ من اللَّازم.
هو يضحك،
يَسألها:
ـ أنتِ لا تُحبِّينَ الزُّهور؟
تُومِئُ برأسِها،
وتَخبِّئُ بينَ أصابعِها سؤالًا لم تَسأله:
ـ وهل مَن تُحبُّكَ بِكُلِّ هذا الخوف...
يَحتاجُ إلى زَهرة؟
هو لا يعلم...
أنَّ يدَيها حين تُرتِّبُ شَعْرَهُ،
تَغْرِسُ في كُلِّ خصلةٍ وَصِيَّةَ اشتياق،
ولا يرى...
أنَّ المنديلَ الذي تَضعُه في جَيْبِه الأيسر،
هو نفسُه الذي بَكَتْهُ لَيْلَةَ البارحة،
ثم نشَّفَتهُ بنَفَسِها.
وعندما يَهمُّ بالرحيل،
تتعلّقُ بعُنقه
كهِرّةٍ
تنتظر أن يبقى قليلا لتدخلَ معه
في رِوايةٍ جديدة.
✍️ محمد الحسيني ــ لبنان
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق