الاثنين، 8 سبتمبر 2025

نص نثري تحت عنوان{{أجنحة المعنى}} بقلم الكاتب التونسي القدير الأستاذ{{محمد الصغير الجلالي}}


✨ أجنحة المعنى ✨

شِعر: أ. محمد الصغير الجلالي

اصعَدْ فوقَ سقفِ المعنىِ،
واجعلِ الكلماتِ مرايا
تُضيءُ ما لا يُرى.

زِدْ في العُلوِّ…
فالقصيدةُ سَماءٌ،
لا يَبلُغُها
إلّا مَن أَحرقَ جَناحَيْهِ
ليُضيءَ العَتمةَ.

اكسُرْ قُيودَ الحَرفِ،
حيثُ تَفيضُ أنهارُ الخَيالِ،
وحيثُ يَصيرُ الكلامُ سُلَّمًا
إلى ما لا يُقال.

الشِّعرُ جَسرٌ،
مَن عَبَرَهُ
نالَ أسرارَ الوُجودِ،
واقتربَ من المَجهولِ كَأنَّهُ
صَديقٌ.

اِخترْ من اللُّغَةِ أَجنِحَةً
لا تُشبهُ السَّحابَ،
واجعلِ الكلماتِ مرايا،
تُريكَ صورتَكَ أوسعَ
مِمّا ظَنَنت.

كُنْ صَوتًا
لِما يَستعصي على النُّطقِ،
فالمُعجِزاتُ تَسكُنُ في صَمتِ الحُروفِ.

ابنِ مَدينةَ عَسَلٍ في الخيالِ،
تَشرَبُ الأرواحُ سُكَّرَها
لتُشفى من الغيابِ.

لا تُصادِقِ الواضِحَ،
فالوُضوحُ خِداعُ الضُّعفاءِ.
سافِرْ إلى غُموضٍ يُشبِهُ نَفسَكَ،
هُناكَ يَشهَقُ المَعنَى
ويُولَدُ من جَديدٍ.

هذا هو الطَّريقُ إلى العبقريِّ:
أنْ تُمسِكَ النُّورَ بِيَدٍ،
والنَّارَ بالأُخرى،
ثمَّ تَكتُبَ ما يَجعَلُ المَوتَ
يَتَقهقَرُ خَلفَكَ.

اِمشِ على جُرحِكَ
كَأنَّهُ بُساطٌ مِن حَريرٍ،
فإذا أحببتَهُ
أَزهَرَ وصارَ وطنًا
يُقيمُ فيكَ.

خُذْ مِنَ المَوتِ قَلَمًا،
واكتُبْ بهِ وُجودَكَ،
فالمَوتُ لا يَعرِفُ أنَّهُ
خادِمُ الشُّعراءِ.

أَضيءْ العَتمَةَ بحَبرِكَ،
فالنجومُ لم تُخلَق للسَّماءِ وحدَها،
بل لِتَسقُطَ في دَفاتِرِكَ أيضًا.

كُنْ نَسرًا يَحكُمُ العاصِفةَ،
ولا تَخَفْ إن انكَسَرَت أَجنِحَتُكَ،
فالهواءُ يَحمِلُ مَن يَستَحقُّ.

والشِّعرُ — يا صاحِبَ الرُّؤيا —
لَيسَ ما تَلفِظُهُ الشِّفاهُ،
بَل ما يَرتَجِفُ في قُلوبِ الذينَ سَمِعوك.

اكتُبْ لِتَبقى،
لا لِتُعجِبْ،
فالخُلودُ لا يَعرِفُ التَّصفيقَ.

الشِّعرُ مَطرٌ
ينزِلُ مِن لُغَةٍ غَيرِ مَرئيَّةٍ،
ويَغسِلُ الوُجودَ
مِن غُبارِهِ.

تونس، 7 - 9 - 2025 

ليست هناك تعليقات: