الاثنين، 8 سبتمبر 2025

نص نثري تحت عنوان{{وداعٌ تحت ضوء القمر}} بقلم الكاتب اللبناني القدير الأستاذ{{محمّد الحسيني}}


كانت عطرَ اللحظة ... نانسي 5
"وداعٌ تحت ضوء القمر"

لم يكنْ كلُّ شيءٍ هذا العبثَ،
ضحكٌ وسَمَرٌ ورفقةُ قلبٍ وتلك النظراتُ الطويلةُ إلى أعماقِ أيِّ واحدٍ منّا... إلى أيِّ نهاية؟
لم نكن ندري، أهو نُزهةٌ عابرة، أم بدايةُ امتحانٍ لا ينجحُ فيه القلب؟

الحبُّ حينَ يكبَر، يجرُّ معه أسئلةً عميقةً أثقلَ من الخُطوة...
لم يَبقَ شارعٌ في بيروت لم يُدركْ إحساسَنا،
وبحجّة "الكزدرة" كنّا نلامسُ أرواحَنا بالهمسِ الحفيف،
ونتجادل... كأنّنا نكتبُ روايةً طويلةً لا نعرفُ كيف ستنتهي.

كنتُ أتنازلُ كثيرًا، وأظنُّ أنَّ التفاصيلَ الصغيرةَ ستذوبُ مع الأيّام،
وأنَّ عنادَها الجميلَ مجرّدُ غيمةٍ تمرّ.
لكنَّ الغيومَ تكاثرت،
وصارت عيناها مرآتينِ تعكسانِ خوفي أنا، لا حبَّها هي.

لا أعرفُ بالضبط متى أصبحتِ الـ"لا" أكثرَ من "النعم".
ربّما حين دخلت أختُها يانا تفاصيلَ أيّامِنا،
وبابتسامةٍ باردة قالت لي ذاتَ مرّةٍ ما يُشبه البابَ المغلق:
"هيدا الموضوع مش ماشي... من الأساس."
لم تقلْ لماذا.
لم تُفسِّر.
تركتني أفتّشُ عن السببِ بينَ وجوهِ الناسِ والكتبِ والأحلام، ولم أجد.

لم تضعْ نانسي أيَّ حاجزٍ بيننا مذْ رأيتُها،
كانت أختُها الحاجزَ الوحيد.
ومن يومها صار الحبُّ عقلًا أكثرَ منه قلبًا.
صارت اللقاءاتُ مشدودةً بخيطَين متناقضَين:
شغَفٌ يشتعلُ حينَ تلمسُ يدي،
ونفورٌ غريبٌ كأنّنا نحاولُ أن نُطفئَ بأنفاسِنا حريقًا لا ينطفئ.
كانت تقسو، فألين.
كنتُ أغضب، فتضحك.
كان صوتُها يُذيبني، ثم يُعيدني إلى جدارٍ عالٍ لا أعبره.
لم نكنْ خصمَين ولا عاشقَين فقط،
كنّا حربًا باردةً تتناوبُ بين الهمسِ والاشتعال.

وفي ليلةٍ، تحت قمرٍ بدا كأنَّه يُشفقُ علينا وقد تجمَّل بالكآبة...
وقفنا على الرصيفِ ذاته الذي بدأنا منه كلَّ شيء.
لم يكن هناك رفاق.
لم يكن هناك يوسف ولا رولا،
ولا مقاعدُ سينما ولا أغانٍ من المذياع.
كنّا نحن فقط.
كنتِ ترتجفينَ كمن يعرفُ ما لا يريدُ قولَه،
وجملةٌ قصيرةٌ بعينَين دامعتَين:
"يمكن هيدا حبّنا... يضل هون، وما يكمِّل."
لم أُجب.
مددتُ يدي كأنني أودّع نفسي.
هي ابتسمت، ابتسامةٌ تحمل نصفَ حبٍّ ونصفَ فراق.
ومشينا عكسَ بعضِنا،
كأنّ القمرَ يشهدُ أنَّ القصيدةَ انتهت.

لم تكنْ نانسي أنثى فحسب،
كانت أُغنيةً ناعمةً توقَّفت فجأةً عند خبرٍ عاجل.
كانت حبّةَ سكّرٍ سقطت في قهوةٍ مُرّة،
ذابَتْ في لحظة،
وعلِقَتْ في شفاهي ألفَ مرّة.

✍️ محمّد الحسيني – لبنان 

ليست هناك تعليقات: