عناق الماء والبُنّ ***
.............................
لم تكن القهوة فكرةً جيّدة،
لكنّ الغضبَ يحتاجُ ما يُماثله من فورانٍ ليصدِّقه...
كان بداخلي ألفُ شحنةٍ انفعاليّةٍ تغلي،
تقرعُ بابَ الركوةِ هكذا، دون أيِّ مبرِّر.
ـ "تَـقو... تقول لا شيء يستحقّ الزعل؟
ألهذه الـ... الدرجة صرتَ لا شيء؟"
ـ "اهدئي قليلًا يا امرأة، أنتِ تبالغين..."
ـ "امرأة!؟ أنا امرأة يا رجل؟ يا ابنَ مريم؟
البا... البارحة كنتَ تقول: حبيبتي، روحي، حياتي!
آآآآآخ منك... آآآآآخ من صنفِ الرجال!"
كنتُ أسمعُ بداخلي فوضى الملاعقِ تُحرّكُ الأصابع،
وصوتَ الكبرياءِ يغسلُ يديه من كلِّ حوارٍ مؤجَّل.
ـ "كنتُ أمزح... والله كنتُ أمزح، ما قصدتُ أن أجرحكِ...
ربّما أنتِ تبالغين..."
ـ "تبالغين! تبالغين! تقول تبالغين! يا إلهي...
كلمةٌ تقتلني، تقتلُ كلَّ النساءِ دفعةً واحدة!"
القهوةُ تصرخُ في الركوة، وأنا أصرخُ معها،
ألعنُ كلَّ شيءٍ بدأ بحبٍّ وانتهى بمطبخٍ وأطباقٍ وقهوة...
ـ "قال كذا، وكان يجب أن أقول كذا...
لماذا فعلَ هذا ولم يفعلْ ذاك؟!
سمراءُ أنا بروحٍ مطحونةٍ داخلَ ركوةٍ،
أتنفّس، أسبّ، أصرخ، أبتسم، أغلي على نارِ كلامِه الهادئ..."
دخلَ إلى المطبخ، بخطوٍ مرتبكٍ ــ أحسبه هكذا ــ
اقتربَ منّي، محاولًا أن يضمني من الخلف.
ـ "هل أتيتَ تشمّ عطري؟
أم أنَّ القهوةَ جذبتْ قلبك؟"
ـ "أتيتُ لأضمَّ بياضَ قلبكِ إلى أمانٍ تحبّينه...
أخبريني يا شقيّة، كيف أعددتِ القهوةَ اليوم؟"
ـ "سوداء... مثلَ مزاجِك."
ـ "هههههه، ههههههههه، هاهاهاها، هي هي هي هي، هو هو هو هو..."
ضحكَ، لكنّه ضحكٌ ممتدّ،
ربّما كنتُ في انتظارِ تلك الضحكةِ التي أُحبّها.
وبحركةٍ واحدةٍ من يده، أطفأَ النارَ من تحتِ الركوة،
وأزالَ بركانَ غضبي.
اقتربتُ منه، وبكلتا يديّ شددتُ شعرَ رأسِه بقوّةٍ — لكن بحنوٍّ، لكن بحبٍّ.
تعلّقتُ بأُذنيه، حين بدا لي رأسُه الضاحكُ جملةً في دميةٍ كبيرة.
ضحكتُ حين لمستُ حرارةَ وجهه،
وحينَ مدَّ يده يلامسُ شعري قال بصوتِه الخافتِ...
كالقهوةِ حين تهدأ:
ـ "كلُّ هذا الغضب... فقط لأنني نسيتُ أن أقول إنكِ جميلةٌ اليوم؟"
فأجبتُ وأنا أذوبُ بين كلماته:
ـ "وما النفعُ أن تقولها الآن...
بعد أن ذابتِ القَشوة؟"
✍️ محمد الحسيني – لبنان

ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق