ببغـاءُ الموت 3
"الشكُّ يتحوّلُ إلى يقين"
عُدتُ إلى مكتبي محمَّلًا بأسئلةٍ كثيرةٍ وأجوبةٍ أقلّ،
حيثُ الملفاتُ تتكدّسُ كقُبورٍ من ورقٍ.
طلبتُ تشريحَ الجثّة، وكانتِ النتائجُ مُرعِبةً...
الجروحُ في عيني مارغريت وعنقِها متطابقةٌ تمامًا مع منقارِ الببغاءِ.
لكنَّ شيئًا ما كانَ مُقلقًا...
قوّةُ النقراتِ كانت أكبرَ من المعتاد،
كأنَّ الطائرَ امتلكَ قوّةً خارقةً في تلكَ اللحظة،
امتلكَ غضبَ الآلهة.
الطبيبُ الشرعيُّ، رجلٌ عجوزٌ متمرّس،
ذاكَ الذي رأى ألفَ موتٍ وموت،
هَمَسَ لي بصوتٍ متوتّرٍ:
"لم أرَ ببغاءً يقتلُ بهذه الشراسةِ من قبل...
هذا لا يُشبِهُ فِعلَ ذواتِ روحٍ!"
غُصتُ في السجلاتِ الجنائية، في الأرشيفاتِ المنسيّة...
وهناكَ وجدتُ خيطًا رفيعًا جعلَ حواسي العشرَ تستيقظُ دفعةً واحدةً:
ثلاثُ حالاتٍ متشابهةٍ خلالَ العامينِ الماضيين، وفي مدنٍ مختلفة،
ثلاثةُ مربّين، ثلاثةُ ببغاوات، وثلاثُ جُثثٍ كنسخٍ كربونيةٍ.
وفي كلِّ حادثةٍ — ببغاءٌ يهاجمُ صاحبَهُ بنفسِ الطريقةِ الوحشية.
تنقّلتُ بينَ الأماكنِ الثلاثةِ برفقةِ طبيبٍ بيطريٍّ مختصّ،
قمنا بمعاينةِ الببغاوات...
والغريبُ أنّها كانت كلّها بريئةً، هادئةً،
لم تُظهر أيَّ سلوكٍ عدوانيٍّ بعدَ فعلِ الجريمة،
كأنّها لم تفعل شيئًا.
شيءٌ ما كانَ خاطئًا...
حينَ بدأتُ أَشكُّ في الواضحِ.
تسلّلتُ ليلًا إلى منزلِ مارغريت مرّةً أخرى،
هذه المرّةَ مُجهَّزًا بأدواتِ فحصٍ متقدّمةٍ،
وفحصتُ الببغاءَ تحتَ الأشعّةِ فوقَ البنفسجية...
وهناكَ رأيتُها: علامةٌ صغيرةٌ على جانبِ الرأس،
تحتَ الريشِ بالكادِ تُرى —
رقاقةٌ إلكترونيةٌ مزروعةٌ كسرٍّ مدفون.
توقّفَ قلبي لحظةً.
هذا الببغاءُ ليسَ مجرّدَ طائر،
ليسَ ببغاءً أصلًا،
إنّهُ عينٌ إلكترونية، مراقبٌ، أو ربّما... قاتلٌ مبرمج.
في اليومِ التالي، قرّرتُ أن أغوصَ في ذلكَ العالمِ اللامتناهي —
السوقِ السوداءِ للتكنولوجيا،
حيثُ تُباعُ الأسرارُ بالهمسِ.
وهناكَ، وجدتُ ما يشبهُ الحقيقةَ الملعونة:
"الببغاءُ الروبوت" —
طائرٌ صُمّمَ ليبدو حقيقيًّا كالحُلم،
مزوّدٌ بذكاءٍ اصطناعيٍّ قادرٍ على التعلّمِ والمراقبةِ،
بل... والقتل.
وفي نهايةِ الخيطِ، ظهرَ أمامي اسمٌ واحدٌ:
Hero Avion Systems
اسمٌ خرجَ من الظلامِ — ثمَّ اختفى.
الآنَ فقط، بدأ كلُّ شيءٍ يتّضحُ أمامي...
الببغاءُ الحقيقيُّ بريء،
والقاتلُ كانَ تكنولوجيا مختبئةً تحتَ الريش.
✍️ محمد الحسيني – لبنان
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق