ببغاء الموت 4
"براءةُ الرِّيشِ، خيانةُ المعدن"
اقتحمتُ مقرَّ شركةِ Hero Avion Systems مع فريقِ تحقيقٍ صغيرٍ...
المبنى من الخارجِ كان باهرًا، أبيضَ باردًا كقلبِ الشتاءِ،
لكنَّ الداخلَ كان مَعمَلًا للأسرارِ.
في الطابقِ السُّفليّ وجدنا غرفةً مملوءةً بببغاواتٍ روبوتيّةٍ،
متطابقةً تمامًا مع الطيورِ الحقيقيّة،
متطابقةً كتوائمَ مَلعونةٍ.
كلُّ واحدٍ منها يحملُ رقمًا تسلسليًّا كوشمٍ على روحه.
فحصتُ السِّجلاتِ فوجدتُ تطابقًا مُرعِبًا:
الببغاواتُ الآليّةُ كانت قد استُبدلت بالحقيقيّةِ في منازلِ الضحايا
قبل أسابيعَ من كلِّ جريمةٍ،
استبدالًا خفيًّا، كأنَّ الموتَ يتسلَّلُ على أجنحةٍ زائفةٍ.
واجهتُ المديرَ التنفيذيَّ للشركة، رجلًا أنيقًا يُدعى الدكتور رينولدز.
في البدايةِ أنكرَ كلَّ شيءٍ،
لكنْ حين عرضتُ عليه الأدلّةَ وشاهدَ طوقَ المحقّقينَ حوله،
انهارَ فجأةً كبرجٍ من رملٍ.
قال بصوتٍ مُرتجفٍ:
"كان مشروعًا تجريبيًّا أردنا من خلاله إثباتَ أنَّ الذكاءَ الاصطناعيَّ
قادرٌ على التحكُّمِ الكاملِ في الكائناتِ المقلَّدة،
بل على إتقانِ تصرُّفاتِ الأصلِ نفسِه...
لكنَّ البرمجةَ أخطأت، فأصبحتِ الرّوبوتاتُ تتصرّفُ من تلقاءِ نفسها...
لتغدو عدوانيّةً و... قاتلةً."
سألتُه:
ـ لماذا لم تُوقِفوا المشروعَ أو تُخطروا السُّلطات؟
كان صمتُه أثقلَ من الجبالِ.
تَكشّفت الحقيقةُ المَرّةُ كالشمسِ في منتصفِ النَّهار.
الببغاءُ الذي كان في منزلِ مارغريت
استُبدِلَ قبل أسبوعينَ فقط،
والذي قتلَها كان الآلةَ، لا الطائرَ.
ثم أُعيدَ الببغاءُ الحقيقيُّ إلى القفصِ
ليتحمَّلَ ذنبًا لم يَرتكِبْه...
ذنبَ الآلةِ المجرمةِ.
وهكذا كان كلُّ الضحايا الآخرونَ جزءًا من التجربةِ الشيطانيّةِ نفسِها.
أعلنتُ النّتائجَ في مؤتمرٍ صحفيٍّ أمامَ الكاميراتِ الجائعةِ،
وقلتُ بصوتٍ حادٍّ:
"الببغاءُ بريءٌ، والقاتلُ كان روبوتًا...
صِناعةَ عقلٍ شرّيرٍ."
انفجرَ الحضورُ غضبًا،
وأُغلِقت شركةُ Hero Avion Systems،
وأُحيلَ كاملُ طاقمِها إلى التّحقيقِ.
أمّا الدكتور رينولدز،
فهو الآن جالسٌ في زنزانةٍ مُنفردةٍ
يتبادلُ النّظراتِ مع أربعمائةٍ وعشرينَ ببغاءً آليًّا.
لكنْ حينَ عدتُ إلى المنزلِ،
لم أشعرْ أنَّ ما حدثَ كان نهايةَ القصة.
شيءٌ ما ظلَّ يُقلقُني...
كلّما نظرتُ إليه ــ إلى الببغاءِ ــ وجدتُ في عينيهِ شيئًا غريبًا،
كأنَّه كان يضحكُ عليَّ،
ليُخفي في دواخلِه سرًّا أعمقَ... لم أكتشفْه بعد.
✍️ محمد الحسيني – لبنان
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق