الأربعاء، 12 نوفمبر 2025

نص نثري تحت عنوان{{تجليات الغياب}} بقلم الكاتب الفلسطيني القدير الأستاذ{{صفوح صادق}}


"تجليات الغياب"

  
ليس الوطنُ خارطةً  
بل رعشةُ ذاكرةٍ  
حين يلامسها عطرُ الخبزِ القديم.  
  
كلما ابتعدتُ،  
اقتربتُ منكِ.  
كأنكِ لستِ امرأةً،  
بل فكرةٌ أولى،  
تشبهُ تنورَ أمي  
حين كان يضيءُ المساءَ  
بصلاةٍ ساخنة.  
  
تشبهين قبضةَ المفتاح،  
لا تفتحين بابًا  
بل تفتحين طفولةً  
نامت في جيبِ أبي.  
  
أمشي في مدنٍ  
لا تشبهني،  
لا تشبهكِ،  
لا تشبه الزعترَ  
حين يختلطُ بزيتِ القلب.  
  
أبحثُ عنكِ  
في انعطافِ الضوء،  
في انكسارِ الماء،  
في صمتِ القصائد  
حين تعجزُ اللغةُ عن البوح.  
  
أنتِ لستِ وجهًا،  
بل ملامحُ الوجود  
حين يتجلى في دفءٍ،  
في رائحةٍ،  
في سؤالٍ لا يُجاب.  
  
علّمتني الغربةُ  
أن الأشياءَ لا تُرى بالعين،  
بل تُلمسُ بالذاكرة.  
  
وأن الحبَّ  
ليس امتلاكًا،  
بل انتماءٌ لما لا يُقال.  
  
فضمّيني من شتاتِ المعنى،  
وذرّيني في ثوبكِ  
كما تذرّ الأمُّ القمحَ  
في غربالِها،  
تنتظرُ أن ينفصلَ الحَبُّ  
عن الوهم.
  
وفي آخر الغياب،  
حين يسكنني صمتُكِ،  
أدركُ أنني لم أكن أبحثُ عنكِ،  
بل عني فيكِ.  
  
فكلُّ الطرقِ التي عبرتُها  
كانت تنتهي عند ظلّكِ،  
وكلُّ القصائدِ التي كتبتُها  
كانت محاولةً  
لرسمِ ملامحي على صفحةِ حضوركِ.  
  
فامنحيني يقينَكِ  
في زمنٍ يتكسرُ فيه المعنى،  
وامسحي عن جبيني  
غبارَ الرحيل،  
لأعودَ إليكِ  
كما يعودُ الضوءُ  
إلى نوافذِ القلب.

صفوح صادق-فلسطين 

ليست هناك تعليقات: