انتحري
وأنا بقلبٍ بارد أحتسي الشاي بنكهة النعناع بابتسامةٍ هادئة، على شرفة جسرٍ بات يعجّ بالراغبين في الخلاص. واحدةٌ أخرى تقف هناك، تحمل وجعها بيد، وتلوّح بحريتها بالأخرى، كأن الألم محتوى عابر، وكأن الحرية ترند مؤقت. تحت التريندات تتساقط عند البعض ديانات وعادات وتقاليد، واحدةً تلو الأخرى، خاضعين لانهيارٍ صامت لا يدمّر الأجساد بقدر ما يُفني الأرواح.
خلعت حجابها لا كقطعة قماش، بل كجلدٍ ظنّت أن الخلاص تحته، وقالت: «أنا حرّة». وحين قيل لها: «يهدي من يشاء»، استهزأت بالهداية، كأنها تطبيق قديم لم يعد متوافقًا مع تحديثات العصر. أما والدها، فيقول بفخر: «هذه شخصيتها… أن تخرج من الدين والعادات والتقاليد»، وكأنه يوقّع وثيقة نزوحٍ طوعي نحو التيه، ويسمّي الخراب استقلالًا.
يا ابنتي، القفز من فوق الحافة لا يمنحك جناحين، ولا النعناع يبرّد الندم بعد السقوط. لكن تفضّلي، اسقطي، ستجدين كاميرا تُصوّر، ومعلّقين يبرّرون: «حرية شخصية»، «كلٌّ حرّ في قراراته»، «لا تتدخلوا في اختياراتها». جيلٌ يحتضن التكنولوجيا لساعات، ويختنق إن فُقد الواي فاي لدقيقة، يراقب الخيال ويعجز عن مواجهة الواقع، يضغط على والديه ماديًا ونفسيًا، ثم يكتب منشورًا عن العائلة السامة.
أيّ خطابٍ يمكنه إيقاظ هذا الجيل؟ العيب مسجّل باسم الأهل، والهروب مغلّف بكلمة «تطوّر»، بينما التطوّر الحقيقي غائب، ضائع بين رقصٍ قصير وهدر عمرٍ على سرابٍ افتراضي. إن مُنعت من الحرام قالت: «قيّدوا حريتي»، وإن شُجّعت على الفضيلة قالت: «قيّدوني بالأخلاق». اسكب لي شايًا يا صاحبي، ودعني أراقب المشهد؛ هل ستسقط فعلًا، أم تنتظر متابعيها ليكتبوا «قلوبنا معكِ» و«الحياة قاسية»، ثم يعودون ليُكملوا تصفّح الفيديوهات؟ إن أردتم إنقاذها، فهي لا تزال تنتظركم، لكن انتبهوا… فهي لا تبحث عن النجاة، بل عن جمهور يصفّق للسقوط
#ظلال حسن فتحي /العراق

ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق