#قبل أن أصاب بالجنون ....
لن انسى ابدآ ذلك المساء الذي اقتادني إلى حي في اوائل الصيف عندما انتقلنا انا وعائلتي لمدينة كانت تتميز بتراثها القديم والوانها الهادئة من اجل العمل،
وانا امشي في شوارعها التي ادلهمًت فوقها سماوات من رماد وانصبًت الشمس من بين الضباب مثل إكليل نحاسي سائل،
في عصر ذلك اليوم، بعد عودتي إلى البيت،وانا امتع ناظري بجمال المدينة،
جذبتني فتاة ترتدي الابيض فخطفت عيني إليها كانت بشرتها نقيةً ووجهها مصقولآ محاطآ بشعر كثيف قاتم اسود ولامعآ كالجمر لابد ان عمرها في العشرين، لكنً شيئآ في ملامحها محبطة كاوراق الصفصاف امعنتُ النظر في عنقها كانه عنق الإوزه، كانت جالسة في شرفة المنزل منشغلة بقراءة كتاب في يدها،
رفعت ناظرها لي،انتبهتُ على نفسي لوحت لها بيدي مـرحبا،
تبسمت والحزن يملئ عينيها ثم انحنت لتكمل القراءة ،
آه اكثر عينين حزنآ رايتهما في حياتي،
مااجملها،
اصبحتُ افكر بها ليلآ ونهارآ،كانها خطفت قلبي،
ذات يوم وعند عودتي الى المنزل، كعادتي لوحت لها بيدي وانا مبتسم مرحبا انا اسمي دانيال
فبتسمت أبتسامة مفعمة بالخجل والحيرة، انا اسمي قمـر
يا الهي انها فعلآ كالقمـر المضيئ،
ويوم تلو اليوم وشهر تلو الشهر
وانا افتعل الحيلة لكي احادثها،كان لها صوت مؤثر وواهن مثل البلًَور،
الى ان اصبحنا نتحادث هاتفيآ، فقد سلبت مني النوم والقلب والأنفاس،
كنت اصغي إليها تحدًثي عن امور لم أكن افهمها كانت تصف اشخاصآ وأجواءً وأشياء لم نراها او نسمع بها،
لم استطع ان اقول شيئآ إذ كنت أرزح تحت رحمة ذلك المخلوق الذي يفتنني بصوته فلا أقوى عليه ولا أريد ان اقاوم سحره،بل وددتُ ان لا تكف عن الكلام لكي ابقى أسيرآ لصوتها، وكم تمنًيت أن أراها وألمس خديها،
فقررتُ الارتباط بها،
حدَثتُ امي عنها.. عن حبي لها .. السعادة تتطاير من عيني وانا احكي عن ملهمتي ..
في صباح الباكرمن شهر يوليو اتصلت بها لاخبرها بمجيئ عند المساء لخطبتها
ولكن مما اثار قلقي انها لم ترد وليس هذا من عادتها! !
وعند عودتي من العمل لم اشاهدها عند شرفتها، كأنها تلاشت،
قلقتُ كثيرآ، آه ياربِ ماذا حدث يا ترى؟
هل اصابها مكروه لا سامح الله؟
توقف عن التفكير يا ابله اذهب الى منزلها،
بعدها لم استطع النوم ذهبتُ في الصباح الباكر لمنزلها، فتنفست الصعداء وحينها
انفتح الباب بصرير يشبه نزع الغطاء عن الضريح،فاحت رائحة نتنة وفاسدة كانت بسبب الرطوبة والإغلاق الطويل، وشباك العناكب تتدلى من زوايا السقف كضفائر الشعر والغبار السميك الشبيه بالرماد يغطي بلاط الأرضية،
وأذ بطفلة صغيرة بدت مستغربة من رؤيتي ،
مرحبا،كيف حالك عزيزتي، أرجو أن لا أكون قد أخفتك، هل قمـر موجودة؟
حدقت بعيني ثم استدارت ودخلت للمنزل، ثم خرجت منه امرأة كبيرة بالسن،
نعم يا بُني، تفضل
سيدتي من فضلك، اريد اتكلم مع ابنتك الآن، فالأمر مهم جدآ،
اخفت المرأة صوتها، وقوسًت حاجبيها وراحت تنظر ذات اليمين وذات الشمال،
منً ابنتي! !!!!!
يا بُني
ما إن وضعت الحرب الأهلية أوزارها حتى اجتاحت الكورونا البلاد وسلبت مني ابنتيً،
ابنتي الكبيرة والصغيرة توفيتا قبل اربع اعوام قد اصيبا بفايروس الكورونا يابني،
وقفت مذهولآ ولم ينبس ببنت شفة! !!!!
ولكن كيف؟
استدرت بسرعة نحو الشارع كان قلبي ينبض كأنما اراد أن يفتح ممرا في صدري ليهرب منه،فصدمت بأحد الماره،
ضمًني بين ذراعيه كي يُهدًَئ من روعي،
نظر كلً منا في وجه الآخر، أخبرني ان ذلك المنزل جميع من به ماتوا بسبب فايروس كورونا قبل اربع اعوام،
سالت: كيف ذلك حتى ربة البيت؟
حتى ربة البيت، وانا ايضآ
✍️نادية الساعدي