" سـعـفة نـخيـل "
- الرابعة وعشر دقائق صباحًا،مازال عقرب الساعة بعيدا عن الرقم 8 وهو يجر بنفسه متثاقلا كأنه لايريد الانتقال عن مكانه مع انه يطرق اسماعي بصوت; بصوت متكرر ينبئ عن حركة لاتحاد ترى يزعج الاسماع حد الملل.
احاول إستراق بعض الوقت للنوم بعيدًا عن مخيلتي التي تعج بالذكريات .. لم تطاوعني عيناي ولم تستسلم ايا من جوارحي..ايقنت ان انتظار الثامنة عبث ومضيعة للوقت فنهضت من فراشي اتحسس الورقة التي استقرت في جيبي منذ يومين؟، كان فيها عنوان الجهه التي سألتحق إليها ومع اني قراته اكثر من مرة الا اني كنت بين الفينة والأخرى اخرج الورقة وأدقق فيها واحاول استنطاقها او اكتشاف شيء جديد فيها إنطلقت بنا السيارة في الساعة السادسة بإتجاه سامراء وما إن انتصف النهار وعلت الشمس منتصبة فوق رؤسنا حتى وصلت الرحلة الى سامراء.
أخيرا ها أنا بقرب من الامامين العسكرين (ع) فادلف الى الحضرة واقف إمام الضريحين وادعو الله ان يشافي والدتي من مرضها وان ينصرنا على القوم الظالمين.
حين جن الليل معتقًا بسديم عتمته
وجدت نفسي اصارع الأرق قرب المرقد الشريف اصارع القلق بعد ان انتابتني حالة من الشرود الذهني وأنا ارى جثامين الشهداء تترى من جبهات القتال، اخذتني قشعريرة خاطفة وانا اتخيل نفسي احد هؤلاء الشهداء وفجاة سالت في خاطري:
ماذا لو راتني امي ملفوفا بالعلم العراقي؟
ترى ماالذي يحل بها؟
لا اشك أنها ستفارق الحياة فوراً.
آه يا جعفر كُف عن هذه التصورات، واخلي الى سريرك فان غدا يوم يحتاج إلى الكثير..
استيقظت في الصباح ابحث عن فطور مميز في هذه المدينة التي ظهرت لي مختلفة عن كل الأماكن التي زرتها في حياتي، واذا بامرأة تعرض الكبة والجبن والقيمر وابريق الشاي بجانبها تفوح منه رائحة الهيل وقد غطت الصمون الحار بقطعة قماش لم تمنع رائحته الطيبة من الانتشار في المكان ..
كانت المرأة تحرص على ان تحمل كل جندي يشتري منها أمانة لا تمل من تكرارها
-يمه أذا وصلتم سبايكر بالسلامة شوفولي (حسن) عدل لو ميت!!!!
لا أدري لم تخيلت وانا احتسي الشاي المهيل أنني امام والدتي اقاسمها الفطور الصباحي واتلذذ بالاجتماع إلى حديثها، لقد كان التشابه كبيرا بين سواء بطريقة اعداد الشاي او ملابس المرأة وحديثها.
لقد كانت تنظر إلي بعين حانية شفيقة تشبه نظرات عيون والدتي اخر مرة رمقتني فيها وهي على فراش المرض، مسحت المراة وجهها لتخفي اثر دمعة نزلت من عينها وعادت تتطلع بوجهي وتركز نظراتها في عيني ثم فاضت دموعها وهي تتمتم بصوت ضعيف متقطع يحمل بين حروفه الم كبير
أنتَ تشبههُ..تشبههُ تماما!!!
-اشبه من يا حاجه؟
-انتَ تشبه وليدي (حسن) وليدي سباّح گلبي! !
-وأين هو ولدك (حسن)
-يا يمه وليدي حسن راح ويه جماعته تطوعوا بالجيش وودوهم لسبايكر
ومن ذاك اليوم أنقطعت إخبارهم ، وكلما اريد اروح لهناك اشوف سالفته شنهي يمنعني الجيش..
يا يمه امانة عليك اذا وصلت لهناك شوفلي وليدي ( حسن) عدل ميت !!
-صار يا حاجه، بالخدمة.
ها قد مضى اكثر من عشرين يومًا على تواجدي في جبهات القتال كُنت اتمنى أن اجد ( حسن) فأكون أول من يبشر (ام حسن) ويسر قلبها الدامي على فلذة كبدها بل حاولت تقصي اي اثر له ولكنّ دون جدوى..
اثناء عودتي تعمدت أن أذهب حيث أجد (ام حسن) فاخبرتها باختفاء كل اثر لابنها واعتذاري واسفي لعدم التمكن من تحقيق مطلبها.
- سألتني : يمه جعفر وشلون تالي شسوي يمه؟
-اخبرتها بصعوبة بالغة وقلت لها أن هناك شيء اخر، وذكرت لها وجود مقبرة للأطراف والرؤوس المقطوعة، فاجهشت بالبكاء وهي تردد بصوت اتعبه النواح: يمه حسن آنه متانيتك يابعد أمك ..
-قطعت اجازتي بعد تبليغنا بضرورة الالتحاق والاستعداد لهجوم حاسم لاستعادة الاراضي التي استولى عليها داعش وفي الطريق الى هناك مررنا على مقبرة الاطراف والرؤوس المقطوعة وكم كانت دهشتي كبيرة حين رأيت ( ام حسن) تجلس هناك وكان ثمة شي ملفوف بين يديها وهي منحنية عليه وقبل ان اسألها بادرتني
-اتذكر وليدي حسن من عمره ٦ سنوات التوت ايده من العضد ومانام ليلته ولا فاده الدهن الي دهنتها بيه فاضطريت اخليه بين افخاذي واحصره حتى مايتحرك ودكيت بالابرة على المكان لحد ما طلع الدم الفاسد وحتى ما اشوه عضد وليدي الزغير سويت الدكة على شكل سعفة مال نخل ..
- ولما فتحت ام حسن ذلك الشي الملفوف واذا بذراع مقطوعة من الزند مشوهه وثمة صورة ( سعفة نخيل) واضحة على عضدها !!!
الا أنني انتبهت إلى شي غريب في تلك اليد المقطوعة!
رأيت كف حسن مقبوضه إلا من اصبع السبابه المدماة التي كانت ممدودة باتجاه العدو وكأنه يقول:
هؤلاء هم من مثلوا بي فلا تتركوهم .
نـدى الـسـاعدي