"في عتمة الحافلة"
سلسلة قصصية
بقلم:
تيسيرالمغاصبه
،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،
"ذات الجدائل"
-٤-
لاأعلم كم مضى علينا من الوقت ،لكني أفقت على صوت زمردة وهي تحاول أن توقظني بصوت ضعيف وهي تبكي :
-غريب ..غريب .. أرجوك استيقظ..استيقظ ؟
اسندتني..نهضت بصعوبة وكنت أشعر بالغثيان والصداع ، أخذت ترعشني وتصفع وجهي صفعات خفيفة .
عندما أفقت رأيت إنا كنا شبه عراة، وقد نزفت من أنفي بعض الدماء بسبب الحر الشديد ،نهضنا بتثاقل..إستفرغنا مافي إمعائنا وكانت الرائحة بلا شك هي رائحة كحول.
سألتني زمردة بقلق :
-ياالله ..ماذا حدث لنا ..وماذا فعلنا ؟
-الأن عرفت ..أن خالد كان وراء كل ماحدث .
-اتقصد ذلك الشخص الوقح الذي رأيناه سابقا والذي حدثتني عنه؟
-نعم هو بعينه،ولا بد أنه وضع لنا شيء في العصير ،يارب كيف لم أعلم ذلك ،كيف لم يستوعبها عقلي عندما قالت عمتي أن الزجاجة كانت بيده..يالي من أحمق ..يالي من مغفل.
-تقصد أننا قد تورطنا بتلك الواقعة ؟
-مع الأسف الشديد أن هذا ماحدث.
-وما العمل الأن بعد أن وقعت الواقعة ياحبيبي، أنت تعلم بأني لاأستطيع التخلي عن قبيلتي كما أخبرتك ومهما كانت النتائج ..حتى ..حتى لوكان الموت هو مصيري ؟
-لن يجرؤ أحد على أن يمسك بسوء، لاتقولي ذلك ياحبيبي، سأتزوجك وسأعيش معك هنا ..مع قبيلتك، فأنا المسؤول أولا وأخيرا عما حدث،وحتى لو لم يحدث فإني قد إتخذت قراي للعيش معك ياحبيبة العمر .
احتضنتي واجهشت بالبكاء ،وقالت من خلال دموعها الغزيرة:
-كنت أعلم بأنك لن تتخلى عني ياحبيبي ؟
-أنا سأفديك بدمي يازمردة.
بعد قليل نهضت وقلت لها مطمئنا:
- أن لدي مهمة صغيرة ،سوف أنجزها ومن ثم أعود إليك ياحبيبي ،لن نرحل من هنا قبل إتمامها؟
وفي الحقيقة كان الدم يغلي في دماغي من الغضب،قالت زمردة:
-لكن أرجو أن تكون هنا قبل الظهيرة ياحبيب القلب لأنهم لن ينتظروا .
-بل هي ساعة واحدة لا أكثر،وربما أقل ؟
تركتها وإنطلقت أجري لكسب الوقت وأنا أردد :
-سأقتلك ياخالد ..سأقتلك أيها الخنزير؟
مريت بعمتي ،سألتها عن خالد، قالت ساخرة منه:
-وأين سيكون "هذا الهامل"؛ أنه كعادته يتسكع من منزل لأخر،تماما مثل المرأة النمامة؟
رأيت هراوة معلقة على الجدار ،حملتها وخرجت للبحث عن خالد.
وجدته يقف مع صديق له ،بينما كان إبن عمي يجلس مع بعض الرفقة ،كانا يستظلان تحت شجرة لونها ذاهب من قساوة المناخ وشدة الشمس المباشرة ،بالكاد تحميهم فقط من حرارة الشمس.
عندما رآني خالد جاء إلي وكنت قد أخفيت الهراوة وراء ظهري .
جاء إلي فرحا بفعلته، بادرته:
-أخبرني ما هذا الذي فعلته ياخالد ؟
-لقد فعلت الشيء الذي كان يجب أن أفعله ، ما فعلت هو الصواب، بعض الكحول بالاضافة إلى الأقراص المخدرة بعد طحنها، وأضفتها إلى عصيركما كي يحدث ماحدث وبالتالي تكون زمردة مضطرة على قبول ترك قبيلتها للعيش معك؟
-وهل هذا الفعل يعد من أفعال شرفاء؟
-يارجل كفاك هراء وهل بقي رجال شرفاء في البلد .
-لكني سأقتلك على فعلتك هذه أيها الخنزير ؟
رفعت الهراوة وهويت بها عليه ..أبعد رأسه عنها فنزلت الهراوة بقوة بين ضلوعه ،فصرخ خالد من شدة الألم ..حاول الهرب ..فلحقت به ،جرى إلي الشباب ليمنعوني من التهور ، لكن في تلك اللحظة داهمنا باص هونداي صغيركان منطلقا في أقسى سرعة وقد انحرف عن مساره و اندفع بقوة باتجاهنا ،حاول ابن عمي ابعادي وبضربة خفيفة اوقعنا الباص بعيدا ،فأرتطم خالد به بشكل مباشر فتسبب الارتطام بقذفه بعيدا جدا ،لعدة أمتار ،ثم بقي الباص منطلقا نحوه ليفرمل فوق ساقيه .
كنا لانزال على الأرض مذعورين بينما الدماء تنزف من رأسه وساقيه وقد فقد وعيه .
مر الحدث بسرعة كما وأنه مشهد في فلم سينمائي .بعد قليل وصلت سيارة الإسعاف ونقل خالد إلى المستشفى ،أما نحن وبسبب ماتفوه به صديق خالد من إتهام بشأن الشجار ، فقد تم القبض علينا جميعا بالاضافة إلى سائق الباص ، وأخذنا إلى مركز الشرطة.
بعد ساعة لحق بنا كبار العشيرة إلى مركز الشرطة للتواسط لنا .
كانت الساعات تمر سريعا في مركز الشرطة ،بينما كنت أنظر إلى ساعتي بقلق ونفاذ صبر ،نظر إلي أحد رجال الشرطة وقال ساخرا:
-هل أنت مستعجل يادكتور ، لاعليك أن يومنا طويل جدا ،أنتم ضيوفنا اليوم ؟
في التحقيق اتهمني صديق خالد بأني أنا الذي اعتديت على خالد بالضرب وهذا السبب الذي جعله يجري أمام الباص ولم يتنبه له.
لكن ابن عمي وأخرين شهدوا لصالحي خصوصا إنا أصبنا ببعض الكدمات من أثر السقوط.
لكن في التحقيق تبين أن السائق كان مخمورا ومتعاطيا للاقراص المخدرة ،وكان له ملف جنائي أسود في المركز.
في النهاية طلب منا رئيس الشرطة توقيع تعهدات بعدم التعرض لبعضنا ،ثم قال :
-أن الباص خرج عن مساره تاركا الشارع وداهم الجميع كونكم في المنحدر ،ولهذا لايمكن أن يتهم غريب بما حدث ،كذلك أن السائق كان مخمورا ومتعاطيا للاقراص المخدرة،
أما بشأن خالد فيحق له تقديم شكوى ضد غريب بأنه اعتدى عليه بالضرب قبل الحادثة ،بالطبع ذلك عند خروجه من المستشفى؛ هذا إن كتبت له النجاة؟
،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،
ما أن إنتهى التحقيق وخرجنا من مركز الشرطة ،وبقي السائق في الحجز ، أمسك ابن عمي بيدي وقال :
-لاعليك ياابن العم، تعال معي لنرتح في منزلي ؟
لكني نظرت إلى ساعتي ،فكانت تشير إلى الثانية ظهرا ،فتركت يد ابن عمي كما وأني قد أصابتني صاعقة ،تركت أقاربي وإنطلقت أجري كالمجنون وسط دهشة الجميع ،جريت باتجاه السيل حيث خيام الغجر دون أن أنظر أمامي وأنا أنادي :
-زمردة .. أنا قادم إليك يازمردة ،لن أتخلى عنك أبدا ،ثقي بي يازمردة؟
لكن ما أن وصلت ونظرت أمامي حتى تفاجأت بأن الخيام قد إختفت من مكانها ،لقد تأخرت كثيرا ورحل الغجر تاركين مكانهم مخلفات لايحتاجون إليها ،وماطبعته الخيام من أثر على الأرض الملتهبة.
إنهرت على الأرض ؛مكان خيمة زمردة واجهشت بالبكاء ..بكيت بحرقة وأنا أناديها ..وقد مزقت قميصي لتتلذذ الشمس بحرق جسدي .وأنا لاازال أنادي زمردة، لكن هيهات أن تسمعني زمردة الله وحده الذي يعلم أين هي الأن.
أخذت أمسح وجهي على التراب مكان خطواتها ،ومكان جلوسها ،وقد إمتزج التراب مع دموعي ليتحول إلى طين يلون وجهي.
،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،
قالت :
-أنا أثق بك كثيرا ياحاتم ..ياحبيب القلب والروح؟
"لكني أنا لم أكن عند حسن ظنك بي ياحبيبتي."
قالت :
-لن يفرقنا سوى الموت ؟
"لكني قتلتك ،وأنا الأن أموت ببطء "
قالت :
-أن الأقدار تخدمنا دائما ياحبيب القلب؟
"لكني لا أظن أن الاقدار تخدم أحدا"
،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،
يحول خالد إلى مستشفى بعمان ،هناك يتم بتر ساقيه بأكملها ،ويصاب بارتجاج في الدماغ وفقدان الحركة والنطق ،ليمضي بقية حياته بعد ذلك على كرسي متحرك.
ياترى هل ظلمتنا الدنيا؛ أم نحن الذين قسونا على أنفسنا.
هل كنت بالفعل أنوي قتل خالد ،أم أني فقط أردت تأديبه.
هل أنا قاتل...؟
أم أنا عدواني ..؟
هل غررت بحبيبتي..؟
لاأدري .
،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،
كانت الحافلة منطلقة كما وأنها على بلاط جهنم ،بينما رائحة الكاوتشوك منتشرة كرائحة الحريق.
وكنت أرى زمردة في كل مكان ..في السهول ..تحت أشجار الصنوبر ..فوق الصخور ؛ لم تغب عن مخيلتي أبدا .
مسحت دموعي التي تغلغلت في لحيتي التي غزاها الشيب ،وأخذت أسعل من الاعياء الشديد .
سبعة سنوات مرت وأنا أبحث عن زمردة ولم أفقد الأمل للأن.
توقفت الحافلة بجانب مكتب صغير تابع للشركة تنتشر حوله أشجار الصنوبر ،حيث كان تجمع المسافرين ،الذين كانوا يحتمون في ظلال أشجار الصنوبر إتقاء من حرارة الشمس الحارقة.
وقف المسافرون، وضعوا امتعتهم في صندوق الحافلة وكنت أنظر مراقبا وأنا كلي دهشة.
وعندما بدأوا في ولوج الحافلة؛ خفق قلبي بشدة ...ووقفت بسرعة غير مصدق ما تراه عيناي.
"وللقصة بقية "
تيسيرالمغاصبه