#آكلةالحسنات#
بقلم الكاتبة الجزائرية فاطمة حفيظ
( مداخلة )
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته،
و لما تفقدت كل الاعمال و السلوكيات التي تجعل منك مسلما ذو علم و حلم و إحسان ، وجدت في طريق الحق تلك اللذة التي حفظت بها المال و النفس و الروح عن كل ضالة ، و كنت عبدا شكورا لأن الله أصلح حالك و أمرك ، و لكن كما قال في حال القوم الحسن البصري :" إن المؤمن قوام على نفسه ، يحاسب نفسه لله عز و جل ، و إنما خف الحساب يوم القيامة على قوم حاسبوا أنفسهم في الدنيا " .
و لكن في لحظة ما ، وجدت أن أعمالك قد أحبطت و نزلت من منازل الصالحين و كراماتهم ، و هنا كنت قد استعملت أكثر من طريقة لتجعل طريقا تفحص و محاسبة لنفسك المطمئنة الغافلة عن جزئيات حياتك الإجتماعية اليومية ، ستجد أنك لا تعادي أحدا ، و لم تظلم أحدا ، و لكنك لا تزال تقوم على تقديم قراءة غير صحيحة لنفسك بعد ، لأن شهوة الرضا عن النفس لا يولد منها سوى أرضا خصبة للخطيئة و استحسان مذاق الخطايا و المعاصي ،
لكن هي ، ... إنها هناك في عمق ذاكرتك ، هادئة ، لا تخبرك بشيء عما تعانيه كل يوم و عن هشاشتها و هي تحارب بأقصى قوتها و تستنفد صبرها ، فتخور قواها لله تعالى طالبة نصرته و سنده ، لا تخبرك عن الشبشب البلاستيكي الذي ترتديه و هو مبلل بمياه الوضوء و تشعر ببرده طيلة اليوم ، لا تدعك تعلم شيئا عن نظرات المجتمع لها حين تكون غائبا عنها و هي تبحث عن صدرك الذي لم تعتقد أن يهجرها يوما بسبب قلة مال ، و قلة علم ، و جرح عميق . إنها هي ، أختك ..
سأقدم بعض القراءات القصيرة في الأدب الإسلامي الجليل مما جرى في حياة صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم و حياة أهل بيته الأطهار سلام الله عليهم جميعا .
و لنبدأ في هذه المداخلة الطيبة ، بنبينا و إمامنا محمدا خير خلق الله تعالى و قدوة الثقلين ممن آمنوا من الإنس و الجن و سيد المرسلين و الأنبياء و خاتمهم . خلال غزوة حنين و التي حارب فيها المسلمون قبيلتي هوازن و ثقيف خلال السنة الثامنة للهجرة ، حيث تمكن المسلمون من سبي عدد من النساء و الاستيلاء على غنائم القبيلتين ، و أحد السبايا كانت أخت رسول الله صلى الله عليه وسلم من مرضعته حليمة السعدية ، و ظل رسول الله متعلقا باخته شيماء طيلة بقاءه عند مرضعته حليمة طيلة خمس سنوات كاملة في قوم بني سعد ، و كان محمدا قد عض أخته بظهرها و هو يلعب معها كما يلعب الإخوة الأطفال حتى بقي أثرها و لم يزل من مكانه. أخبرت شيماء حبينا المصطفى أنها أخته و كان له سوى أن يتأكد من كلامها لتصدق فيما قالته و أنها فعلا أخته . رق قلب رسول الله لذلك الموقف و دمعت عين رسول الرحمة و قال لها " سل تعطي ، و اشفعي تشفعي " و كانوا ستة آلاف شخص اعتقهم النبي صلى الله عليه وسلم إكراما لأخته ..
و من إكرام الاخت قصة الصحابي الجليل جابر بن عبد الله الأنصاري الخزرجي الذي تزوج ثيبا بدل زواجه بكرا ، فلما سأله محمدا قال كي يرق قلبها و تؤنس وحشة أخواتي بعد استشهاد أبيهن ، و كما أضرب مثلا هنا قصة سيدتنا زينب بنت علي بن أبي طالب و الحب العظيم الذي جمعها باخويها الحسين و العباس و تضحيتها " كالرجال" في صورة ولوحة مدرسة للمرأة التي حظيت بمنزلة رفيعة بين نساء المسلمين.
و في صورة أخرى ، نجد علاقة الصحابي ضرار بن الازور و أخته خولة بنت الازور من قوم بني الأسد التي كانت مجاهدة محاربة في صفه و قد أودع فيه كل القوة و السند حين كانت تعود منهكة من القتال و كان لها نعم السند و نعم الرفيق على أعناق المشركين ...
و ربما لا يسعني الوقت كثيرا لأذكر الكثير و الكثير من صور و مشاهد المسلمين و المسلمات في تقديس علاقة الاخ بأخته ؛ و يقتضي علي الانفتاح على بقية الاديان و المعتقدات أن أشير أيضا لقصة سيدنا موسى و أخته التي ألقته في اليم مع والدتها ، و كانت تحرص على وصوله سالما حتى أنه إذ وصل لقصر الفرعون ، أتتهم تعرض عليهم مرضعة للطفل اخيها موسى حتى إن وافقت عائلة الفرعون أتت بأمها لترضعه و هذا وارد في أدب الشريعة اليهودية . و قد ذكر الله تعالى في محكم تنزيله : ( ١١ / سورة القصص) " وَقَالَت لِأُخْتِهِ قُصِّيهِ فَبَصُرَتْ بِهِ عَنْ جُنُبٍ وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ " ، هذا الحب و هذا الشجاعة التي خص الله بها اخت موسى حتى جعل منها تقوم تحمل نفس عواطف الام و مشاعرها اتجاه أخيها .
و في المسيحية نجد رسائل يوحنا و لوقا بالأناجيل التي تحتوي على نصوص عميقة حول علاقة عميقة بين الأخت و أخيها و ضرورة الترابط بينهما في أقدس رابط أسري بعد الأمومة و الأبوة .
فأيها السادة ، بأي حق يزمجر الرجل بوجه أخته ، بأي دين أو مذهب او رسالة سماوية يكون بهذا الموقف ؟ أوفقا للتأسلم الذي يغزو احشاءه كي يضخم من ذاته ببعض آيات يفهمها كما يشاء ؟؟؟ " للذكر مثل حظ الأنثيين" هذا كلام الله تعالى وحكمته في شريعة الميراث ، ذلك لأن الله ينتظر منك أن تكون النصف الثاني لأختك و تسندها و تنفق عليها و تتفقد أحوالها ، فهذا من طيب يدك ما يقوي قلبها و وجدانها و يخلصها من فكرة وحدتها و مظلوميتها اثر غيابك... أجل ، أيها السادة ، هو ميراث النصف ليس تشريفا لك لأنك خلقت ذكرا ، بل تكليف و مهمة ينتظرها الله منك في مواقف انسانية و اسرية و اجتماعية ، و هذه هي العبادة الحقيقية التي خص الله بها الفلسفة العميقة للمعاملات بين الانسان و الانسان و خصوصا ؛ الأرحام التي طرد الله كل قاطع لها بمنعه من جنته مهما كثر صالحه و قل طالحه .
و في الاخير ، أختم أن هذا الجانب من علاقاتنا الأسرية مهترىء جدا في مجتمعنا ذو الأبعاد الإسلامية ، و لا يسعنا سوى أن نتأسف و نترحم على قلوب أماتتها الدنيا و ابتلت عروقها بالاحقاد و وساوس الشيطان. و ليتفكر الإنسان في قيم شريعته و قيم أدبه الاسلامي التي اكرم فيها الرجال بالاخوات و البنات ، و لعن الله العادات و التقاليد العمياء التي تطمس هويتنا كمسلمين و تأتي بأضغاث الجاهلية الأولى و براثن حضارة لم يفقهوا منها سوى ضراوة القتال في مبادىء ديننا الحنيف. نسأل الله حسن العلم و نقاء القلب و العقل و ان يجري الحق حقا و الباطل باطلا على أقلامنا. و السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق