(في عتمة الحافلة)
سلسلة قصصية
"الموسم الرابع"
٢٠٢٣
--------------------------------------------------------
القصة السادسة
ذات الجدائل
-٥-
كنت لازلت متأكدا أنها هي؛زمردة أن قلبي لايمكن أن يكذب عيني، وقفت هي أيضا أمامي دون حراك .
نعم هي زمردة، وقد أعادت جدائلها كما كانت ،وقد إكتفينا بلغة العيون لأنا بالفعل كنا نعجز عن الكلام .
بقينا هكذا وقد عطلت حركة دخول قبيلتها إلى الحافلة، حتى قال رجل يقف وراءها بصوت أجش ،وقد دفعها بيده :
-هيا ..هيا مابك ،لماذا توقفت هكذا؟
مشت زمردة وجلست أنا على مقعدي ،كان قد أصابها النحول والذبول، وقد بهت لونها ،لكني لم أكن أحسن حال منها لأنه أصابني النحول أيضا والمرض ،وقد أطلقت لحيتي التي غزاها الشيب كما إبيض شعري بأكمله ،وبالرغم من ذلك فأن قلوبنا قد عرفت بعضها على الفور.
إمتلأت جميع المقاعد بالغجر ،و بدأوا بالغناء ؛ كم كانوا يعشقون الغناء والرقص.
لكن أن مايهمني الأن وقبل كل شيء هو أني إلتقيت زمردة، وأنها لاتزال بخير.
وقد عاد بي شريط ذكرياتي إلى لحظة فقدها في الغور ،حيث كنت مستلقيا على الأرض مكان خيمتها وكنت أسمع عبارات الأقارب قبل أن يغمى علي وينقلوني إلى البيت :
"أنه قيس الأردن "
"قيس هذا الزمن "
"هل هذا كله بسبب الحب"
"وكيف لو لم تكن غجرية"
"مسكين ابن عمان أن قلبه ضعيف"
"هيا أرجوك ياابن العم لاتشمت الأعداء بنا "
الأن بالفعل بت أعاني من مرض القلب وأن علاجاتي في حقيبتي لاتفارقني أبدا .
لكن كل مايريح ذلك القلب الأن هو أن زمردة معي وفي نفس الحافلة ،ولن أخسرها ثانية.
* * * * * * * * * * *
وصلت الحافلة إلى مكان تكثر فيه الصخور الضخمة والمرتفعة جدا، كارتفاع المباني ،
فبدأ التنين ينفث الدخان، وقد يتبعه بنفث اللهب ،
إزدادت رائحة الكاوتشوك الناتجة عن حرارة "زفت "الطريق المشتعل ،حتى بدأ الدخان بالتسرب إلى داخل الحافلة.
توقفت الحافلة، قال لنا قائدها من خلال الميكروفون:
-أيها الإخوة إن بقينا منطلقين ستحترق الحافلة أو على الأقل أن تتعطل ،ولهذا سنسترح قليلا في ظلال الصخور بينما سأقوم بتبريدها قدر المستطاع، أرجو أن تحتملونا؟
نزلنا جميعا من الحافلة ،ثم إنحرف السائق بها إلى التراب ومن ثم قام بإيقافها في ظل الصخور.
توزع الجميع هنا وهناك محتمين بظلال الصخور ،ومارس الغجر عملهم عارضين بعض منتوجاتهم على الرجال الثلاثة وعلي ايضا ،إضافة إلى كشف حظوظنا بالصدف .وبعد قليل إنضما إلينا قائد الحافلة والمضيفة.
وقفت ابحث عن زمردة بينما الأولاد يجرون حولي، ينظرون ويهربون،
حتى حضرت زمردة ،قلت بشوق ولهفة:
-زمردة ؟
لكنها بادرتني وبسرعة :
-عزيزي حاتم،لاأريد أن يرتاب أحد بنا ،سأتظاهر بأني ابيعك بعض الأشياء واريك حظك.
ثم أشارت إلى صخرة بعيدة وقالت :
-هناك ،هيا بنا إلى هناك؟
ماذا فعل بنا الزمن ،لقد كنت متشوقا إلى احتضانها بقوة بحيث أجعلها تخترق صدري ،فأنا لااصدق بأني إلتقيتها.
جلسنا وفردت منديلها على الأرض متظاهرة بأنها تكشف لي حظي ،ثم نظرت في وجهي بعيون ذابلة ،وإعياء واضح،وصوتها الذي أصبح ضعيف جدا ، لم أكن أدري ماذا أقول :
-زمردة ..أ..أنا...
ثم إنهمرت دموعي التي منعتني من التحدث ،لكنها وضعت يدها على فمي وقالت بحنو :
-أرجوك لاتتكلم..إهدأ ياعزيزي؟
-.................. .
-أن صديقتي كواكب كانت متابعة لكل مايجري وقد أخبرتني بكل شيء،أنت لم ترتكب أي ذنب ؟
قلت وأنا اتنفس بصعوبة:
-أنا لاأستطيع العيش بدونك يازمردة.
-هل أنت على مايرام ياعزيزي؟
-أنا مريض بالقلب .
-ياإلهي..سلم الله قلبك ياحبيب القلب ؟
في تلك اللحظة اقترب منا طفل كان مابين السادسة والسابعة من عمره،كان يرتدي الثياب الملونة الجميلة، شعره أصفر ملفلف على شكل حلقات هو أقرب إلى تسريحة "النيقرو".
كان على أنفه وشفته العليا بعض السائل المخاطي الجاف.
ما أن رأيته حتى خفق قلبي بشدة وتمنيت في تلك اللحظة أن اضمه إلى صدري ،لكن الطفل نظر إلي بريبة كوني رجل غريب عن قبيلته.
قلت متوددا وأنا أضع يدي بجيبي :
-تعال أيها الصغير ،أريد أن اعطيك شيئا ؟
لكنه تراجع إلى الوراء ووقف وراء زمردة ،فقالت زمردة موجهة كلامها له:
-لماذا أنت خائف من "عمو" أنه طيب، هيا اقترب منه وصافحه؟
اقترب الطفل وهو لايزال مرتاب، مد يد مرتعشة ،أمسكت يده ..حاولت جذبه إلي برفق ،لكنه أفلت يده بسرعة ،ثم تركنا وجرى مذعورا.
قالت زمردة:
-أتعلم من هذا؟
قلت :
-ومن أين لي أن أعلم.
قالت :
-أنه إبنك.. حاتم؟
قلت بلهفة:
-إبني... وأسميته حاتم ؟
ثم بكيت ثانية وقلت بألم :
-وأأستحق كل ذلك منك يازمردة؟
-بل تستحق ماهو أكثر من ذلك ياحبيب القلب ،أنا لو إستطعت لفديتك بروحي ،فأنت لم تغب عن عيني لحظة .
ثم إنهمرت دموعنا معا هذه المرة ،وقلت بحسرة :
-حاتم ثمرة لحظة لانذكر منها أي شيء؟
-هي إرادة الله ياعزيزي.
-لكن شائت إرادة الله هذه المرة أن يجمعنا حاتم من جديد تحت سقف واحد، أقصد خيمة واحدة؟
إبتسمت بحسرة وقالت وهي تشير بيدها إلى ثلاثة أولاد يلهون ببناء بيت من الحجارة :
-أترى هؤلاء الأولاد الثلاثة ياعزيزي ؟
-نعم مابهم.
-أنهم أيضا أولادي؟
بينما كنت وسط دهشتي وخيبتي معا،أشارت إلى طفلان أخران يشبهان بعضهما كثيرا كانا يلهوان قرب الحافلة وقالت:
-وأترى الطفلان هناك؟
-نعم أراهما.
-هم أيضا أولادي، وهم توأم ،وفي أحشائي غيرهما ربما يكونا توأم أيضا؟
-وكيف حدث ذلك؟
-سأخبرك ،كان رجل شرير في قبيلتنا، سيء المعشر ،عدواني ومعاقر للخمر ،كان متزوج من قريبة وصديقة عزيزة على قلبي ، وقد أضاقها ألوان العذاب حتى توفيت ،وكان بعد ذلك يطالب أبي بالزواج مني ،كان أبي حينها هو شيخ القبيلة ،وكنت أرفض دائما، كذلك أبي كان رافض ،بعد ذلك تراكم دين لهذا الرجل على أبي ولم يستطع تسديده ،فازداد ضغطه على ابي وعلي بشأن الزواج، أما أنا فبعد أن شعرت بالغثيان نتيجة الواقعة التي لانذكر منها أي شيء وجدت نفسي مرغمة على القبول به تداركا للفضيحة ،بعد ذلك توفي أبي حزن علي وأصبح ذلك الرجل بعد إذن هو سيد القبيلة ،أن هذا كل ماحدث ياعزيزي؟
-يالله أن كل ذلك حدث بسببي أنا.
-لاذنب لك ولا لي ياعزيزي ،هي إرادة الله؟
- .................... .
-أي لايمكن الأن أن تجمعنا خيمة واحدة ،بل أصبح لقاؤنا مستحيل، لقد كتب علينا الفراق والعذاب ،لقد أصبحت أنا الأن البقرة الحلوب للقبيلة ...لكنك ستبقى في القلب ياأول حبيب وأخر حبيب؟
-وأنت حبي الأول والأخير يازمردة يااااارب ...ماذا فعلت بنا الأقدار .
-.................. .
-ولماذا أنتم متجهون إلى العقبة ونحن مابين شهري تموز وآب ؟
-أنه موسم السياح الأجانب والعرب ،أي موسم عمل
،هكذا أمر زوجي.
-لقد اعتقدت بأن عذابي قد إنتهى بمجرد أن إلتقيتك ،لكن يبدو أني سأعيش في العذاب ماتبقى من عمري ؟
-تكفينا ياحبيب العمر الذكريات الجميلة.
بعد ذلك طلب منا قائد الحافلة الاستعداد للصعود إلى الحافلة ،صعد إليها وحركها لتصبح على الطريق ،ومن ثم أطل منها وقال :
-هيا ياإخوان إلى الحافلة ،أرجو تفقد أطفالكم حتى لاننسى أحدا؟
لحظات وكنت على مقعدي ،وكانت الحافلة منطلقة من جديد إلى العقبة ؛من النار إلى السعير.
"إنتهت القصة "
وإلى قصة أخرى...
تيسيرالمغاصبه
٦-٨-٢٠٢٣