**عبق الذاكرة **
دندنات على أوتار الماضي والحاضر والمستقبل لتؤلف لحناً عذباً وكأنه نبع ماءٍ صافٍ يُنهلُ منه العامة فيسقي الجميع ويرتوي منه من عانى هذا الظمأ اللعين.
وقصتي اليوم لقاء *من عبق الذاكرة*
هذا المساء، التقينا صدفة على ضفاف شواطئ البوح، وبنظرة خاطفة، كان يسرق ملامح وجهي خلسة وكأنه يريد أن يقول لي شيئا دفين في أعماقه ولكنني أحسست أن شيئا ما يمنعه من البوح. اقترب مني حاول التماس يدي التي كانت غائصة في الرمل تداعبه برقة وهدوء وفي القلب نزوع وكبرياء....
حاول الاقتراب اكثر واسند كتفه الأيمن على كتفي الأيسر فتسارعت دقات نبضين معا بنفس الوقت. تنفس الصعداء ارتياحا لما لمسه من شعور متبادل وقال لي بنبرة خافتة :
كيف السبيل إلى مجاراة برج استوطنه قلبي...فأنا عاشق من سلالة القمر، أتسلّل خلسة والنجوم خير شاهد ودليل.
مالسر الدفين فيكِ يابنة الستين
بعد كل مامرّ بكِ بعدد السنين..!!
لم اتوقع جمالكِ راسٍ بهذا العمر الثمين
يابنة قلبي؛ أتقبلين أبيات شعر فيكِ!!!
قلت له :
هات ما دونت يا نبضي المكنون
الذي خلته غاب عني ولن يعود
قد تركت فراغا بداخلي طيلة مدّ من سنون
انا إمرأة وبداخلي ربيع متجدد
تقاوم ولا تقف حائرة في متاهات الريح
سرعان ما يتفتح برعمي وأزهر من جديد
قال:
ها أنا بين ثنايا النبض والوتين
كتبت وابحرت في وصفكِ بأبيات
منقوشة على صدري مذ سنين....
رسمتكِ تعبيراً وكلمات
وعلى ورق الغياب
رسمت الوعدَ بأحرفي...
مارست في الدروب
كل جنونَ هوايتي
ولم يبق مني غير
لوعة دفتري.....
رسمتكِ همسة في قطر النّدى
ريحانة عذراء على الشفاه الضمئ
خدود بلون ورد الجلنار الرماني
الذي زادك جمال وتفاني
فاتنتي أنتِ، دونت رسمكِ باليدّ
وبالخط العريض بلا تردّدٍ
قلبي على الورق يئنّ
في لهفة المتعطش....
أنسيتِ إنني شاعر متمردٌ...
أيتها الساكنة بين ثنايا سطوري
التائهات رغم عهدي المتجدد
انا الذي أجيد شعري مراياَ
وعلى نياط القلب رسمت
بريشة عذراءٌ كل مواجعي
وفي عبق الزهور دفنت
رحيق حبي المتشرّدِ.....
بين الجفن والورق ضاعت
بقايا العمر في أوحال
دربي المتبدد......
وإن ناديتني كنتُ الملبّي
وفي الآلام قد سطّرتُ،
نخبي بلا تردّدِ.....
قلت له:
أي كلام بعد تلك الخمائلُ
أي كلام وسحر بيان أثمل
لقائنا بتغريد العنادل
العين تذرف على نهديْ
خوابي حبر إبداعك كالاسيل
عفوا سيدي
فالعمر نعيشه مرةً لا مرتين
وإنه مجرد رقمٍ والأيام تشهدُ
فأنا مثل ابتسامةٍ في الشفاه مرسومة
أعيش في الأحلام، وقلبي ببرائته ينبضُ
لا تبحث عني في السنين الماضية
ولا تسأل عني في الليالي العتيقة
أنا هنا والآن، في لحظةٍ متجلية
أرقص في وكري،
وأكتب قصيدتي البهية
إنني أحصل فقط على
دقائق من العمر متبقية
وأكره الحزن والخمول
المتسلط عليَّ
فلما لا نعش هذه اللحظات
بكل حرية
ونغني للحياة، ونزرع فيها
السعادة الوفية
العمر ليس أيامًا تذهب بلا عودة
بل هي اللحظات التي نعيشها
بصدقٍ وسعادة
عش يومك كما لو كان الأخير
واحتضن الأحلام، وانظر
بعيدًا إلى الأفق الأسير
فالحياة راسية في الستين
دعنا نتمتع بها بحرية يا حبي الدفين
ونترك بصمةً تذكرنا بالحب والأمل
في الدنيا السخية بلا كلل
عفوا سيدي، فالحياة قصيرة
ولما لا نملأها بالفرح، ونزرع فيها
الفرح والسعادة الوفيرة.
عائشة ساكري_تونس . 30_9_2024