(رد لي قلبي)الجزء الثالث
رفعت اللفافة من فوق وجهه...ونظرت إليه بحزن ...كان وجهه مشوها بالكامل...طلب منها إعطاءه المرآة ...رفضت في البداية لكنها أذعنت للأمر بعد حين...نظر الى وجهه وهو غير مصدق مايرى...قروح صفراء وفقاقيع في جميع أنحاء وجهه...
_هل هكذا أبدو إذا؟؟؟؟
_حسن ..نعم ...على مايبدو...
_لربما ، كانت اللفافة أفضل لي...الآن، من سيرضى أن ينظر الى وجهي ، وليس أن يعطيني عملا،،،وأنا لاأزال أبحث عن عمل...
نظرت إليه بشفقة ، وتداركت بسرعة..
_أعتقد أنك بحثت كثيرا عن عمل فلم تجد...وعملك معي في العيادة جد نافع لي...ثم إن قيادتك سيارة الاسعاف الخاصة بي وجلب المرضى أو حمل المقعدين إلي ،،،، هو عمل بحد ذاته...تتقاضى أجره بمبيتك في عيادة أبي التي ورثتها عنه...وطعامك الذي تتناوله ...فما رأيك؟؟؟
تبادلا النظرات...كان يعلم أنها تخفف عنه ، ولذلك نظر اليها بعرفان كبير، أما هي فقد نظرت إليه بشفقة وحنان ...قطعت حبل الصمت بقولها فجأة...
_حسن، ،، لقد اتصلت هاتفيا بصديق والدي المتوفى....إنه طبيب أعصاب وأنا على يقين أنه سوف يساعدك ولو قليلا على استعادة جزء من ذاكرتك..
والآن...
قالت بارتباك وهي تناوله المضادات الحيوية مع كأس من الماء...
_عليك ان تواضب على هذه الأدوية بانتظام لأن حروق وجهك يمكن أن تسبب التهابا حادا ، لقد عالجتها لك وعقمتها الآن...
قالت ذلك وهي تمسح وجهه بقطن طبي مع مادة السبرتو المعقمة ...
كان يتألم بصمت...
_أعلم أنها تحرقك ...لابأس ...تحمل الألم قليلا...هل تريدني أن ألف وجهك الآن، أم أدعك ترتاح من اللفاف قليلا؟؟!!!
قالت الطبيبة بأسى وهي تنظر الى عيني مريضها الحزينتين ...رفع عينيه اليها وهو يضغط بأسنانه على شفته السفلى كي لايصدر صوت تأوه من شدة الألم...
_دعيني أرتاح منها ارجوك...
_حسن...سألف وجهك في الصباح ...يجب أن لاتتلوث هذه القروح...
_أعلم هذا....لكنني تعبت من هذه اللفافة التي تشد وجهي طيلة الوقت...أشعر أني كمومياء من زمن الفراعنة...
_حسن....لابأس عليك..سأتركك لترتاح الآن...
_شكرا لك حضرة الطبيبة...
قال ذلك وهو يمسك يدها التي كانت لاتزال فوق وجنته تمسح قراح وجهه...أمسك يدها ولم يبعدها عن وجنته بل ضغط بها فوقها بقوة...
_أنا ممتن لك...
سحبت الطبيبة يدها بسرعة وتداركت متلعثمة...
_أنا أفعل هذا لجميع مرضاي فلا داعي للشكر...سعادتي هي في شفاء من حولي وإعادة البسمة الى حياتهم بدون أجور في أغلب الأحيان...لأن أهل قريتي أناس بسطاء كما رأيت.. قالت ذلك وقد ولت ظهرها له متظاهرة بغسل يديها بماء الصنبور المتصل فوق مغسلة صغيرة خصصت لغسل وتعقيم الأدوات الطبية...
مضت نحو باب العيادة وخرجت بسرعة لتقفلها خلفها...وهتفت قبل ذلك دون أن تلتفت..
_تصبح على خير...
تنفست الصعداء وتأوهت بألم..
"ماذا يجري لي ياترى؟؟؟"...
قبيل فجر اليوم التالي ...فتحت الطبيبة باب العيادة فزعة وصرخت بالشاب كي ينهض ويجلب معها مريضا تعرض لحادث سيارة في الطريق الرئيسي المودي الى تلك القرية ..
_أسرع هيا...لقد اتصل أهله هاتفيا بي ...يجب علينا أن نسرع...
ركبت معه في سيارة والدها الخاصة لنقل المرضى ...كانت أشبه بسيارة إسعاف حقيقية إلا أنها لم تكن تابعة لأي جهة حكومية...
كان هو من يسوق وقد دهشت لبراعته في القيادة في ذلك الظلام الحالك ماخلا بعض الأنارة المنبعثة من أعمدة متفرقة على قارعة الطريق الجبلي ذاك المطل على البحر...كانت تنظر إليه من طرف خفي بدهشة وهي تتأمل قسمات وجهه...لابد وأنه كان وسيما فيما مضى...هكذا خاطبت نفسها لأنها لم تجرؤ على سؤاله عن ماضيه مطلقا ، بعدما أخبرها أنه لايذكر حتى اسمه، فقد أخذت القرية كلها تناديه بنفس الإسم الذي أطلقته هي عليه ....فهي من سمته، بناءا على طلب منه...التفت الشاب اليها اخيرا وهي لاتزال في أحلام يقظتها..
_،هل وجهي مرعب الى هذا الحد، حتى تتفرسي فيه طيلة الدرب؟؟؟؟
تأوهت بدهشة وأشاحت بناظريها نحو النافذة القريبة لها...لم تجب بشيء...لم يتجرأ ان يعيد سؤاله...شعرت بالشفقة عليه ، إذ أنه، كما عللت الأمر بسرعة لنفسها، بسكوتها عن الجواب، قد ظن فعلا أنه بشع للغاية فالتزم الصمت...
_في الواقع....
نظرت إليه متلعثمة...
_كنت افكر في مدى وسامتك قبل أن تصيبك الحروق والجروح هذه...
_حقا !!!!!
التفت نحوها وهو يسوق بسرعة فكاد ان يفلت المقود وينقلبا في الوادي لولا أنه تدارك بمهارة سائق متمرس الأمر وأعاد السيارة الى مسارها الصحيح...شهقت الطبيبة بذعر...
_آسف جدا.....لم أتقصد هذا..
_أعلم ، أعلم....لاعليك...
_يعني....أنت تعتقدين أني لست بشعا ...
_بل أنا على شبه يقين أن هنالك زوجا تنتظرك في مكان ما....ياليتني أعرف قصتك...
تأوه الشاب بألم..
_ليتني أذكر شيئا....لكنني لاأتذكر وجود زوجة لي ...ولاأطفال...كل ماأراه في أحلامي كوابيس غير مفهومة ..أتمنى لم شعثها كي أربط خيوطها...
_أنظر ...إنهم هناك....أهل ذلك الشاب...هيا بنا لنسرع...
ساعد الشاب في نقل المريض الذي اصيب بكسور عديده الى عيادة طبيبته....حاول والدا المصاب إعطاء نقود له في خفية عن عيني الطبيبة ، لكنه وبدون شعور ،، رفض بكبرياء شديدة....شعر أن صفته تلك متأصلة فيه وتساءل في قرارة نفسه وهو ينظر الى طبيبته توجه تعليماتها لأولئك الأخوةالذين جاؤوا مع الشاب المصاب في الحادث ، بينما كانت تحضر جهاز الأشعة كي ترى مدى سوء كسوره...كان يفكر في سريرته..
"ياترى...من أكون حقا....ولكن ..لماذا أجد نفسي منجذبا الى هذه الفتاة؟؟؟...لم لاأغادر فحسب...أو لأنها أنقذت حياتي..ولكن ...هي تفعل ذلك لكل الناس، وليس لي فحسب...ولكن لم ، لم ينشر أحد ما في الجرائد خبر فقدان شاب أو مقتله...كنت حينها سأعرف من هم اهلي..او من المعقول أنه لاأحد لي في الدنيا؟؟؟!!!"...
_هل تحتاجين مساعدتي؟؟؟
هتف فجاة وهو يرى عيني الطبيبة متجهتين نحوه...حركت يدها دلالة النفي، فظل مسمرا في مكانه..
"إذا..لم نظرت نحوي؟؟؟...هل من المعقول..أن تكون قد أرادت الاطمئنان على وجودي قربها؟؟؟"...
جلسا عند الطاولةفي غرفة الجلوس يتناولان طعام الافطار...لم يرفع أحدهما عينيه نحو الآخر...هتفت الطبيبة أخيرا وهي تناوله قدح الشاي...
_لقد هاتفت صديق والدي، وهو في انتظارنا اليوم قبل الغداء...لكنني سألف وجهك...أولا!!!
_كلا!!!...أريده هكذا...أريد ان يراني الناس بشعا كما أنا...بقروحي ودماملي الناتجة عن الحرق..
اطرقت الطبيبة بعينيها نحوقدح شايها ولم تجب بشيء...بعد مرور مدة من الصمت الثقيل بينما رفع الشاب الصحون والاقداح وشمر عن ساعديه ليغسلها ...هتفت الطبيبة وهي تناوله إبريق الشاي ليغسله ...
_حسن...لقد أصر والدا ذلك الشاب المسكين ان أعطيك هذا المبلغ ،جزاء مافعلته من حمل ابنهما بكل لطف وتحملك عناء الذهاب بي الى هناك ، ،،،، لقد امتدحاك كثيرا وكذلك فعل إخوة المصاب...وأعربوا جميعا عن أسفهم لما أصاب وجهك...
_آه!!!!...
هل أنا موضع شفقة الناس الآن...
زفر الشاب بألم..ولم يلتفت الى طبيبته مطلقا ...غسل الابريق ووضعه بجوار الاقداح الزجاجية ...
_لاأحتاج نقودا من احد...خذيها أنت...
قاال ذلك وأرجع كم قميصه الأيسر ثم الأيمن الى مكانهما قرب رسغي يديه...نفض يديه من الماء ونشفهما بالمنشفة الصغيرة قرب الطباخ ...التفت اخيرا نحو الطبيبة المندهشة..
_هلا ذهبنا، للقاء طبيبك...
يتبع.....
#نعمت_مهدي_البياتي
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق