الأربعاء، 17 يوليو 2019

قصة قصيرة بعنوان{{ترابٌ نحنُ}} بمحبر الاديب العراقي الكبير{{سعد الساعدي}}

ترابٌ نحنُ ..
قصة قصيرة من مجموعتي (غيوم لا تعرف الغزل) الصادرة مؤخراً في بغداد ..
سعد الساعدي

ما بينَ طعمِ الخبزِ ، وملوحةِ التّراب جسدٌ سقيم ، وهل للخبزِ الاّ ملوحة الغرام ؟ امرأة في القصورِ هكذا تقول ..
 تروي حكاية التراب باقلّ التفاصيل لابنة الملك العظيم ، فالملل أصبح لا يطاق ، ووحشة الحديث باقية بصفرة وجهها ،
ليسَ واحدٌ فقط ، بل ثلةُ أفواهٍ من الجشَع ينقضّونَ كالصّقورِ .. هكذا بدأ الوصف بلسان تلك العجوز الممزق حزنها مع أنين كلّ آهٍ تزفرها شفتاها دوماً .. 
و اضافت عنهم تصف : يمزّقُون كلّ أثوابِ الحقيقةِ ، وكلّ عذريّةٍ - يا ابنتي - تحْملُها الزّهور ، ولا جواب يعرفه أحد عن تلك الافعال ؛ بعضنا يخمن،ّ أو يحاول أن يصنع جواباً موهوماً يخدع أنفاسه به كي يستريح بلا جدوى ! 
نامي  ، قالت العجوز : لم يُبْقوا لنا أولئك الوحوش غيرَ حطامٍ من لهبٍ أحشاؤه صليلٌ من غضب لم يرَ جميعنا لونه من قبل ، وبعضٍ من ثبور ، وكومةِ ألواحٍ من القذى يكحّلُ العيونَ ، وينخرُ الصّدور ، كأنّه يُلجِمنا في غَمرةِ الزّحام لنستفيقَ نرددّ نفسَ التراتيل ، بعدَ أن حُفِظت عن ظهر قلب ُ ، ونلتهم الترابَ من جديد .
هل تعرفين يا ابنتي أنْ لا عيد في تقويمنا ، سوى ترنيمة حبيسة كقشةٍ تعبثُ في دوامةٍ ، كلّما أردنا مغادرتها انقلبت علينا من جهات شتّى .. بقينا نبحث في ركامٍ عن سلام فلم نجد .. 
قالوا : في ترفِ المترفين منه كثير جداً ، لكن من يوصلنا اليهم ، وهم غارقون في بحورٍ من عطر غريب ؟
أمواتٌ تغنّي للأنين ، كانت تظهر في أحلامنا بين حينٍ وحين على دكّةِ الموت والنيام ..هَمَسَت تلكَ العجوز : كنّا نخافُ من سوطِ جلّادٍ لعين ، واليوم نخشى على جلّادنا الهجين إن يبلعَ ما تبقّى من بحيراتٍ وأنهارٍ معاً ، ويختنق ، أو ينفتق في لحظة احلامه التي أكلت بعض أطفالنا ، ولم تسلم منهم حتى بهائم الطريق العابرة في سبيلها، تبحث عن رزق يدفعه راعيها لها ، أو ترويه مياه تبللت بملح ذلك التراب الذي آنَ أوان هجرته مع أول خيطٍ مسافرٍ من ليلٍ عقيم .
في آخر وصيّة لتلك المرأة قالت : أسمعيني يا ابنتي واحتفظي بتعويذةٍ تركها جدي لنا كتذكار يحفظنا ، و لا تقولي للملك العظيم أن امرأةً روت لكِ تلك الحكاية، لأنه مازال يبحث عن مسامير يُحكِم بها كرسيّه الجديد !

ليست هناك تعليقات: