السبت، 21 ديسمبر 2019

قصيدة{{ جَدِّي وَأَوْرَاقُ الغَارِ }} بقلم الشاعر اللبناني القدير الاستاذ {{علاء الغريب}}

{ جَدِّي وَأَوْرَاقُ الغَارِ }

وَأَنَا فِي عُمْرِ الوَرْدِ
سَأَلْتُ ذَاتَ يَوْمٍ جَدِّي
مَا مَفْهوُم الوَطَن
فِي هَذَا الزَمَنِ 
وَمَا قِيمَةُ الأَرْضِ
هَلِ الوَطَنُ يَبِيعُ أَحْلَامَ أَبْنَائِهِ   !؟
أَمْ هُمْ رَاهَنُوا عَلَيْهِ بِلُعْبَةِ نَرْدٍ

...... 2
قُلْ يَا جَدِّي
قُلْ يَا جَدِّي لَعَلِّي أَهْتَدِي 
مَنْ يَحْفَظُ لِلْوَطَن كِبْرِيَاءَهُ !؟
بَعْدَ أَنْ أَصْبَحْنَا غُرَبَاءَ بَيْنَ غُرَبَائِه
وَأَكَلَتْ رِيَاحُ النَّارِ أَبْوَابَ أَنْفَاسِه
وَتَسَلَّلَتْ مَخَالِبُ الغَدْرِ إِلَى لَيْلِ حُلْمِهِ
مَزَّقَتْ رِدَاءَ عِفَّةِ فَجْرِهِ... وَاغْتُصِبَ غَدُهُ
وَتَلَوَّثَ بِسَاطُ نَقَاءِ نَهَارِه
فَلَمْ تَعُدِ الْشَمْسُ شَمْسُهُ
وَلَا السَّمَاءُ تُشْبهُ سَمَاؤهُ
وَدِمَاءُ عُذْرِيَتِهِ سَالَتْ وَنَزَحَت مَاؤهُا
اِقْتَلَعَتْ أَشْجَارَ فَرْحَتِهِ
نَزَعَ مِنْ وَجْهِهِ بَسْمَتَهُ
وَلَمْ نَسْمَعْ صَرَخَاتِ نِدَائهِ
وَالذِّئَابُ مَا زَالَتْ تَعِيث  فِيهِ فَسَادًا
تَتَقَاتَلُ وَتَنْهَشُ أَشْلَاءَه
وَالغِرْبَانُ تَنْعَقُ... وَتَلْعَقُ مَا تَبَقّى مِنْ دِمَائِهِ
فَقُلْ لِي كَيْفَ الخَلَاصُ مِنْ بَلَائِهِ !؟

...... 3
هَمْهَمَ جَدِّي
وتَنَحْنَحَتِ العِزَّةُ فِي دَاخِلِهِ
اِسْتَيْقَظَ الدَّهْرُ مِنْ بَيْنِ خَلَجَانِ وَجْهِهِ
اتَكَأَ عَلَى عَصَاةِ سِنِينهِ
نَظَرَ إِلَي مِنْ أَبْرَاجِ عَلْيَائِهِ
تَرَاقَصَتْ سُيُوفُ حَاجِبَيْهِ
نَصَبَ بَيْنَ أَشْرِعَة عَيْنَيهِ وَمِينَاءِ سُكُونِي
خَيْطٌ مِنَ الحَرِيرِ
وَقَفَتْ عَلَيْهِ طُيُورُ أَفْكَارِهِ تُعَاتِبُنِي
تَرْمُقُنِي... تُسَافِرُ فِي اِحْتِبَاسِ وَجْهِي
تَشُدُّنِي إِلَى مَدَارِ أَفْكَارِهِ
تَسْحَبُنِي إِلَى بِئْرِ أَنْفَاسِهِ
لِأَغُوصَ إِلَى أَعْمَاقِ أَعْمَاقِهِ

....... 4
رَمَانِي بِبَسْمَةِ جُرْحٍ غَائِرَةٍ
تَحَرَّرَتْ مِنْ كَفَنِ سِنينهِ
كَانَتْ نَائِمَةً فِي أَقْبِيَةِ الزَّمَنِ
قَالَ :
أَنْتَ لَمْ تَجِىءْ مِنْ العَدَمِ
اِفْتَحْ نَافِذَةَ قَلْبِكَ الصَّغِيرَةِ
قَبْلَ أَنْ تَشْرِبَ مِنْ بِئْرِ النَدَمِ 

....... 5
اغْمِضْ عَيْنَيْكَ
اجْعَلْ أُذْنَيْكَ تُسَافِرُ مَعَ سُكُونِ الرُّوحِ
عَبْرَ أَلْسِنَةِ الزَّمَنِ الغَابِرِ
وَتَنَفَّسْ عَبَقَ الأَرْضِ
غُصْ إِلَى أَعْمَاقِ أَعْمَاقِهَا
إِلَى نَبَضَاتِهَا
إِلَى حَرْفِ قُدْمُوسِهَا المَنْحُوتِ
وَتَلَمَّسْ تَارِيخَنَا المَكْنُونِ كَحَبَّاتِ الياقوتِ
مُكَلَّلٌ بِأَوْرَاقِ الغَارِ
حُرُوفُهُ مِنْ نَارٍ
دُفِنَ بَيْنَ أَضْلَاعِهَا
لِتَرْوِي لَكَ دِمَاءُ أَجْدَادِنَا حِكَايَةَ البِدَايَةِ

...... 6
أَلَا تَسْمَعُ يَا وَلَدِي ؟
صَهِيلَ خَيْلِ المَجْدِ
أَلَا تَسْمَعُ يَا وَلَدِي ؟
صَيْحَات الوَعْدِ
مِنْ بَيْنِ قَعْقَعَةِ السُّيُوفِ
فُرْسَانٌ تَجُولُ وَرَايَاتٌ تَطُوفُ
                       أُلُوفٌ.. وَأُلُوفٌ
                             تَهْدُرُ كالرَّعْدِ
وَالشَّمْسُ مِنْ عَجَاجِ الخَيْلِ
اِرْتَدَتْ ثَوْبَ الخُسُوفِ

...... 7
أَلَا تَسْمَعُ يَا وَلَدِي ؟
صَيْحَات مِنْ رِحْمِ الخَنَادِقِ
                       زَغَارِيد بَنَادِقَ
                       لمْعَة عُيُونِ عُنْفُوَانٍ
                        تُولَدُ مِنْهَا الصَّوَاعِقُ
        تَتَسَابَقُ مِنْ أَجْلِ الوَطَنِ لِأَبْوَابِ اللَّحْدِ
هِيَ جُرُوحٌ دَفِينَةٌ
لَمْ تَعْرِفْ يَوْمًا الهَزِيمَةَ
عَشِقَتْهَا الأَرْضُ.... اِرْتَوَتْ مِنْ نَقَائِهَا
فَأَزْهرَ مِنْ دِمَائِهَا الوَرْدُ

...... 8
كُلُّ هَذَا
كَيْ تَبْقَى الأَرْضُ فِي عُيُونِنَا كَرِيمَةً
كِي لَا يَأْخُذُهَا الغُرَبَاءُ رَهِينَةً
إِنَّ الأَرْضَ يَا وَلَدِي
عِنْدَ غُرُوبِ آخَرِ مَسَاحِبِكَ
تَشْكِي..... تَئِنُّ وَتَبْكِي
اِسْأَلْ جِبَالَهَا
اِسْأَلْ سُهُولَهَا.... وَوِهَادَهَا
سَوْفَ تَحْكِي
            وَتَحْكِي 
                  وَتَحْكِي

...... 9
هِيَ لَيْسَتْ حِجَارَةً وَلَا بُيُوتا
     هِيَ العِرْضُ
              هِيَ سَتْرِكَ
                    هِيَ وَرَقَةُ التُّوتِ
تُرَابُهَا تَبَرُّ
وَحِجَارَةُ مَدَافِنِهَا يَاقُوت
هِيَ أُمُّكَ... هِيَ حَبْلُ سِرّكَ
يَفِيضُ الخَيْرُ مِنْ ثَدْيِهَا
مَاءُ الحَيَاةِ يَنْبُع مِنْ بَيْنِ يَدَيْهَا
أَلَا يَسْتَحِقُّ مِنْ أَجْلِهَا أَنْ نَمُوتَ ؟
وَنُدَافِعَ عَنْ تُرَابِهَا يَا وَلَدِي

           علاء الغريب / كاتب صحفي

ليست هناك تعليقات: