الثلاثاء، 3 ديسمبر 2019

قصة قصيرة بعنوان{{ ليلة شتائيه }} بقلم الشاعر العراقي القدير الاستاذ {{مقداد ناصر}}

... قصة قصيرة...

ليلة شتائيه 
في ليلة شتاء بارد، تتلاعب الريح بهدوئه و تعزف بحفيف الأشجار، و صوت النوافذ المتهالكة الغير محكمة، في هذا المنزل القديم، و صرير اخشابه الباليه على بعضها، سيمفونية مظطربه بدون تناسق تكسر هدوء هذا المنزل البائس.
جلس أمام مدفئته القديمة، ارخى العنان لقواه المتعبه، اغتنم برهة قصيرة من الزمن ليتخلى عن واقع مكتظ بألوان المنغصات و المتناقضات. استراحة محارب ينفض غبار الحرب و أوزارها لبعض الوقت، ثم سرعان مايلبث الولوج في غمارها مجددا.
فنجان قهوة هي خير رفيق له، يستلذ بطعمها المر اللاذع، و يستطيب به كعادته رغم جزعه مرارة الأيام.
يطبق جفنيه متاملا، يأنس بليلته الصاخبه يمشي فوق سحاب الأمل، يستدعي كل بارقة امل جديدة، كأنه يقول لاوقت لواقع مرير و لا ذكرى أليمة، تلك فسحتي من الأمل في ليلتي الصاخبه هذه.
سرعان ماينكسر هذا الهدوء المصطنع داخل ضجيج هذه الليلة، بطرقات مترادفه على باب منزله، فينهض مستغرباً متسائلاً:  أزائراً على غير عادته و وقته؟! فيفتح الباب و إذا به عابر سبيل متسمراً على بابه، تعبث الرياح بجلباب، يحمل قليل امتعه كأنما هي متاع سفره، لم يطل المكوث معه على الباب فادخله لم يسأله ماحاجتك، فمنظره أوحى بكل شيء، عابر سبيل ألقت به الريح على بابه، ليقضي بعض الوقت مجبرا ريثما تهدأ عواصف هذه الليلة.
بعد ترحيب قصير دخل و وضع امتعته جانبا، جلسا على نفس طاولة الهروب من الواقع و هدوئه المسروق من عصف هذه الحياة، رائ وجها متعبا خطت عليه السنين بتجاعيدها، و شحوب وجه اضناه سهر طويل، و عيون جاحظة و مقل حائرة ألفت دموعها.
جلسا يرتشفان قهوتهما و يتجاذبان أطراف حديث تجاوز بوادر التعارف الرتيب، بادره قائلا : ما اخرجك في هذه الليله الهواء؟ أما أجلت سفرك لبعض وقت حتى تصل غايتك بيسر و هدوء، اعتدل في جلسته و استقام و قال: لا يضيرني ليل شتاء و زمهريره و لا عواصفه، أو حر صيف قائض و لا قساوة شمسه، من كان على سفر دائم و ترحال، ستكون كل الفصول عنده سواء.
قال له باستغراب: أو ليس لك وطن تستقر فيه و يشدك الحنين إليه، و تنتفض غيرة له أن مسه مكروه؟ 
نظر له و أطال في نظره محدقا، و ارتسمت ابتسامة ساخرة بعض الشي، تخفي ورائها مرارة و حسرة فقال: وطني في قلب من أحببت، و ارضي هي أينما حل و ارتحل، فأنا راحل إليه حتى انقضاء الاجلين.
قال له مندهشا:اي الاجلين تقصد؟
 فأجابه: بقيه عمري متى تنفذ، و  قلب من أحببت أينما وجدته، و ما دونهما فإني على سفر دائم، زادي الحنين و متاعي الشوق، و بقايا امل يحتضر في أغلب أوقاته، و سجل ذكريات مثقلة بكل اطيافها، هو مؤنسي و رفيق خلوتي و صمتي.
لحظات قليلة، هدأت بعض الشيء العواصف، فلملم متاعه مودعا و شاكرا لحسن ضيافته و كرمه، و الرجل مذهول من ما سمع من ضيفه الغريب و مستغربا، فقال له الضيف مودعا و مصافحا على عتبة بابه: إياك أن تجعل وطنك في قلب أحد ما، فيعبث بك و يستحكم أمرك فتكون على سفر دائما.
ابتسم الرجل و قال له: قد سبق السيف العذل، لكن لكل محب شؤونه، و للحزن عادات و طقوس، لكن يجمعنا شيء واحد، و هو انتظار قاس على شواطئ الحرمان.
ودعه و مضى، رجع إلى بقايا قهوته، لكن هذه المرة بدون استراحة المحارب بل أنين الذكريات، كأنما عصف به عابر السبيل هذا بسيل من الحنين، اوقد جمرا تحت الرماد لم ينطفي، تلك هي جذوة الشوق تخبو و لا تموت. 
و تستمر الحياة..
مقداد ناصر... العراق.. 3/12/2019
Mukdad  #اريج_الذكريات #

ليست هناك تعليقات: