الجمعة، 31 يناير 2020

قصة قصيرة بعنوان {{موت بارد}} بقلم القاص العراقي القدير الأستاذ {{رعد الإمارة}}

(موت بارد )

 كانت ليلة باردة، بيد إن حضن جدتي الدافىء الذي غمرنا وأحاط بنا،خفف بعضا مما كنا نعانيه، هي ألقت بعباءتها  على اجسادنا ،وطلبت منا أن نلتصق ،حتى تكمل حكايتها!قالت بصوتها الخالي من الأنوثة:
-لايبلل أحدكم ثيابه كما حدث منذ بضع ليال، لن أذكر اسما، لكن هذه المرة لامغفرة! حدقنا ببعضنا ونحن نزداد التصاقا،كتمنا ضحكات كثيرة لفتت انتباه أمي، الراقدة المريضة، كنا أربع شياطين صغار.  واصلت جدتي حكايتها وأخذت تقلد عواء الذئب، مد أبي المنزوي في ركن الغرفه رأسه من تحت اللحاف البالي، رمق جدتي ثم تمتم مع نفسه بكلام لم نسمعه،عاد يغطي رأسه، منحنا ذلك فرصة لمواصلة الضحك، لكن نظرة عينيها العميقتين وبريقهما المخيف جعل اكثرنا يبتلع ريقه الجاف،حتى انها راحت تستخدم اصابعها الشبيهة بالمخالب في تقليد حركة الذئب وهو يتسلل خلف كوخ جدة ليلى!.اشتد أنين أمي وأخذت أسنانها تصطك، كانت تصدر أصواتا ارعبتنا أكثر مما فعلت جدتي! كفت جدتي عن حديثها للحظة ،راحت تتنحنح بصوت مسموع وهي تطيل النظر صوب الغطاء الذي أخفى رأس ابي! لم يدم الأمر طويلا ، سرعان ما امتدت يد أبي ونضى الغطاء عنه بقوة،بخطوتين كان يجلس عند رأس أمي، كنا نراقبه بعيون زائغة، لكننا ازددنا التصاقا،راح ابي يمشي على أربع!ادهشنا ذلك، همس في إذن جدتي، لم تقل الأخيرة شىء، بل امتدت اصابعها السمراء واخرجت محفظتها ،التي لم تعدو أن تكون كيسا قماشيا ذا لون أسود، دست في كف أبي بعض المال ثم سرعان ماربطت الكيس واخفته بمهارة بين أثداءها الضخمة . حمل أبي جسد أمي النحيل الهش، راحت تسعل، قبل أن تخرج أمسكت جدتي يدها بقوة،رمقتنا وهي تنشج ثم تعلقت عيناها بعيني جدتي وابتسمت بضعف. حاولت جدتي العودة بنا إلى أجواء الحكاية، حتى إنها وهي المرأة العجوز ،راحت تقلد صوت ليلى، بطريقة اضحكت أخي الصغير ذو الخمسة أعوام. كنا قد غفونا عندما عاد أبي، ايقظنا صوته المتعب وهو يتحدث إلى جدتي، وعلى ضوء النور الخافت المنعكس على جدار غرفتنا رأينا خيال أبي وهو ينحب على كتف جدتي! كان أخي الصغير يضع اصبعا في فمه وينظر صوبي بعينان افتقدتا شىء، سحبت جسده النحيل وضممته إلى صدري، نظرت لأخوتي الآخرين الملتصقين ببعضهما البعض، سحبت اللحاف حتى غطى وجوهنا جميعا! لكن ذلك لم يكن ليمنع  أن يصل إلينا مابين الحين والآخر صوت نعي من فم جدتي، كان صوتها هذه المرة متناغما تماما وذا حلاوة تقطر وجعا، حتى إنها جعلتني أهتز !!

بقلم /رعد الإمارة /العراق 

30/1/2020

ليست هناك تعليقات: