الاثنين، 27 يناير 2020

قصة قصيرة بعنوان {{المرأة التي جعلتني اكتب، بلبل}} بقلم القاص العراقي القدير الأستاذ{{رعد الإمارة}}

(المرأة التي جعلتني اكتب، بلبل! )
كنا نلتقي مرتان في الأسبوع، لكن في أحيان كثيرة كنا نتحايل على  نظامنا هذا، ضاربين به عرض الحائط، فتصبح مواعيدنا شبه يومية!كان يلذ لي طوال فترة تجوالنا الحميم، الإمساك بأصابع يدها البيضاء الرشيقة،كنت ابذل جهدا طيبا حتى لاتفلت اصابعها المنزلقة من يدي، قلت لها ونحن نجلس على العشب ذات مرة :
-هل لك أن تخبريني عن لون عينيك الحقيقي. أتذكر إنها قطبت حاجبيها وكفت عن جذب العشب بأصابعها الطرية، كادت أن تفلت من فمها الصغير ضحكة، ظنت الأمر مزحة، بيد أن ملامح وجهي الجادة جعلتها تحمر أولا ثم بعد برهة تنهدت، أدركت بلبل إن الأمر حقيقي، قالت :
-أمي أيضا لاحظت هذا، هي سألتني مرة عن سبب تزاحم الألوان في عيني، في ذاك اليوم ضحكت كثيرا، لكن أمي لم تضحك، كانت جادة مثلك. حدقت في اصابعها،كانت تجذب العشب بطريقة آلية رتيبة، أمسكت بكفها، كادت اصابعها أن تنزلق كما في كل مرة،فكرت مع نفسي، هل تستخدم مرهما معينا يجعلهما تنزلقان هكذا! كنت أود أن اسألها عن ذلك، لكني عوضا عن هذا قلت لها :
-قد يكون انعكاس أشعة الشمس في عينيك هو السبب في تزاحم الألوان،انظري، أخضر،أزرق،بني! اتعرفين بوسعي إحصاء المزيد منها، اشاحت بعينيها، تركت أصابعها تغرق في كفي الدافىء، قالت فجأة :
-هل أطلب منك شىء!؟ قد يكون طلبي غريبا لكنه لن يكون كذلك لو عرفت السبب. اومأت برأسي، قالت وقد التمع في عينيها مايشبه الأمل الكبير :
-أريدك، أريد منك أن تكتب وأن تطبع كتابا ، أمنيتي رؤية أسمك الحلو على غلاف كتاب. كانت تتكلم بلسانها وتومىء برأسها الفاتن،تبا لي، الهذه الدرجة كنت غبيا فلم أشعر بأمانيها، رفعت ذقنها بطرف اصبعي، ياللمخلوقة المسكينة، لقد عادت تجذب العشب بأصابعها مرة أخرى، قلت لها بصوت جاد :
-سأفعل. فجأة أشرقت ملامح وجهها، حدقت في عينيها واكملت هامسا :
-لكن لدي شرط، ولن أحيد عنه ولو قيد أنملة!. قطبت حاجبيها ولاح بعض الأسى في عينيها، أكملت ضاحكا :
-شرطي يابلبل أن تصبحي مديرة أعمالي. قلت العبارة بشكل استعراضي فخم، توردت وجنتيها واشتد جذب العشب، اومأت برأسها موافقة، قالت دون أن تنظر لي :
-سأرضى بالثلث من أرباحك، لامجال للمساومة. دنوت منها والتصقت بها، استنشقت عبيرها، ياربي، رائحتها العذبة التي أعرفها تجعلني أدوخ، همست لها بحنان وانا أكاد ابكي :
-ستكون الأرباح كلها لك، سأرضى بمصرف جيب صغير منك، بل من هذه الكف الحلوة.  رفعت كفها عاليا، كادت أن تنزلق، لا،ليس هذه المرة! طبعت قبلة طويلة اودعتها كل امانينا.  أتعرفون شىء! لقد مضت شهور طويلة على عهدي لها، لقد أكملت كتابة ثلاثة مجاميع قصصية خلالها، وقد سألني الناشر عن الإهداء،قلت له بالطبع سيكون لبلبل، مازلت أتذكر كيف حدق في بدهشة، سألني من بلبل!؟قلت له وأنا أشعل سيجارة، إنها العصفورة التي لولاها ماكنت أنا!! آه، نسيت شيء، هي مازالت تنتظر الأرباح، أما أنا فما زلت أجهل لون عينيها، وربما للأبد. (تمت)

بقلم /رعد الإمارة /العراق 
26/1/2020

ليست هناك تعليقات: