(أنا وقصصي وبلبل)
بعد أيام معدودة، سيتم عرض مجموعتي القصصيتين (المرأة التي لاتموت) و(صاحب اللحية البيضاء) في معرض بغداد الدولي للكتاب. وحتى أكون صادقا جدا فأني لم أكن أرغب بالكتابة، بل إن تلك الفكرة، واعني فكرة الكتابة، لم تكن لتخطر على بالي لولا تلك المرأة! آه، مازلت أتذكر، لقد حطت على كتفي مثل عصفورة ارهقها السفر، التفت صوبها وحدقنا ببعضنا، أنا بعيناي الكبيرتان شبه الدامعتان، وهي بذلك الحزن النبيل الذي كسى ملامح وجهها العصفوري! أصبحنا نلتقي كثيرا، كانت احلامنا اكبر من اعمارنا، لم تعد تهبط على كتفي بل صارت تجلس أمامي، هي تجذب العشب القصير الأخضر وانا احاول عبثا معرفة لون عينيها! صار فراقنا أشبه بالمستحيل، ولطالما وددت دوما الإمساك بأصابع يديها، لكنها كانت تنزلق في كل مرة! قالت ذات يوم :
_لك اسلوب جميل في الكتابة،هل فكرت بأن تنشر قصصك في كتاب!. كنا نفترش العشب المبلل بالندى حين قالت ذلك، رمشت مرة ومرتان وأنا أديم النظر في ملامح وجهها، ظننتها لأول وهلة تمزح معي، لكنها ضحكت ضحكة قصيرة قبل أن تتنهد وتقول :
_إنه حلم حين أرى إسمك الحلو مطبوعا على غلاف كتاب، تخيل معي حبيبي، لاتضحك وإلا قرصتك!. اخذت تردد اسمي مع اللقب، وهي تفتح يديها بشكل استعراضي راقني كثيرا. كانت معي بعد مضي عدة أسابيع على حديثنا العذب هذا، اتذكر ان خطواتنا صافحت شارع المتنبي حينها ، كنت احتضن تحت ابطي مجموعة لابأس بها من القصص يربو عددها على الثلاثين قصة! توقفنا عند دار نشر اعرفها او بالأحرى تعرفت إليها عن طريق الفيسبوك، لحسن الحظ وجدناها مغلقة! ارتسمت خيبة الأمل على ملامح وجهها، ضربت الأرض الاسفلتية بقدميها الصغيرتين، قالت :
_لست محظوظة، كان بودي رؤيتك وانت تسلم قصصك، كنت احلم برؤية تعابير وجهك، وكيف يحمر ويصفر وانت تتفق معهم، أعرف كم أنت خجول حبيبي. كانت الكلمات تنطلق من بين شفتيها كالرصاص، وهي تحدق في لافتة دار النشر الشهيرة. قفلنا راجعين، حاولت التمسك بقوة هذه المرة بأصابعها، لكنها سرعان ما انزلقت كالعادة، تبا لحظي!. عدت بعد مرور عدة ايام لذات دار النشر، هذه المرة ابتسم الحظ لي، كانت أبواب الدار مفتوحة على مصراعيها، رحت احدق في الكتب ذات الأغلفة الملونة من خلف الزجاج، اخذ قلبي يدق بسرعة رغما عني، ياه، ماأجمل أسماء المؤلفين، بعضها بلقب وبعضها الآخر بدون لقب، وثمة أسماء رنانة لأدباء أجانب ممن قرأت لهم، كان ثمة شابة تجلس خلف المكتب، كان بأستطاعتي رؤيتها من خلف الزجاج، ياالهي، هذه المرة احمر وجهي بدرجة كبيرة، وجدت صعوبة في ابتلاع ريقي، تبا لي، كيف سأسلم هذه البنت قصصي! حتما سيغمى علي ساعتها، هذا اذا اسعفتني قدماي بالوقوف أمامها! ابتعدت عن الواجهة الزجاجية، أشعلت سيجارة، كانت اصابعي ترتجف. تذكرت وعدي لحبيبتي، همست لنفسي، تبا لبلبل! عدت للواجهة الزجاجية، استجمعت ما ظل لدي من جرأة واقتحمت المكان، رفعت البنت الجميلة ذات البنطال الأسود والقميص الأصفر عينيها، ابتسمت ورحبت بي، آه، ارتبكت قليلا، فكرت بأن العن ضعفي لكني بدلا من ذلك مددت يدي بسرعة، وضعت أمامها الفايل الأزرق وقلت :
_هذه مجموعة قصص ست! اتمنى أن تقرأيها، اريد نشرها. لاحظت ارتباكي، دعتني للجلوس بأشارة من اصابعها المطلية، قالت :
_سياسة الدار! لاننشر قصصا سياسية ولادينية ولا قصصا مخلة بالأدب، هذه طريقتي بالنشر والعمل أيضا، اما باقي الشروط فهينة، ولدينا كادر متخصص لتقييم المطبوع! أعني لجنة خاصة، وانا رغم كوني مالكة الدار إلا إن القرار النهائي لهم يا استاذ. كنت احدق في اصابعها وهي تتحدث، كانت تطرق بهما حافة المكتب ذي الزجاج البراق، قلت لها وانا افتقد أنفاس صديقتي السيجارة :
_قصصي اجتماعية، لست من هواة السياسة أو الدين، القرار لك بالنهاية. لم اتخيل انني استطعت التفوه بهذه الكلمات، فقط كنت أود الخروج من هنا، قالت :
_هذه بطاقتي، فيها أرقام الهواتف، سنتواصل عن طريق الواتساب. انحناءة بسيطة، بعدها كنت بالشارع، أشعلت سيجارة ورحت انفث دخانها في الهواء، لا أعرف لماذا انتابني شئ من الغرور لحظتها، صرت أهمس لنفسي، أخيرا ستصبح كاتبا. اخترقت شارع المتنبي، تذكرت بأني جائع، لقد أصبحت شهيتي مفتوحة فجأة، تذكرت المرأة التي كانت السبب في كل هذا الفرح الخفي والارتباك والقلق، اتصلت بها، تبا، هاتفها يرن لكن لارد! تركت لها رسالة، شرحت فيها كل شيئ بالتفصيل الممل، لم اترك شاردة ولاواردة!! (يتبع)
بقلم /رعد الإمارة /بغداد
٢٢/٢/٢٠٢٠
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق