الأحد، 9 فبراير 2020

قصة قصيرة بعنوان{{الأطول مني قامة}} بقلم القاص العراقي القدير الأستاذ{{ رعد الإمارة }}

(الأطول مني قامة)

 لا أعرف بالتحديد كيف بدأ الشجار، لكنها كانت معركة ضارية! كنت نحيلا مثل خيط وكان بوسع الريح أن تقذف بي للأعلى لو إنها أرادت ذلك! كان عددهم يبلغ التسعة أولاد، مجموعة من صباغي الأحذية الأوغاد، وقد افتعلوا شجارا مع واحد منا في وقت مبكر من الصباح حتى انهم بقروا ربلة ساقه بمفك حاد. قبل أن تحل الظهيرة بنصف ساعة، كان قائد مجموعتنا التي تملأ الندوب ساعديه، قد أخذ يغلي حتى أنه راح يرعد ويزبد، التففنا حوله وشكلنا  نصف دائرة في منتصف السوق، بث الحماس فينا نحن الستة لكنه اشاح بنظره  بعيدا عني حين وزع الأدوار! حدثت المواجهة في منتصف الجسر الذي يقطع السوق إلى نصفين،كان ذو الندوب يمشي في المقدمة، فتح ذراعيه حين شاهدهم ،مازلت أذكر حركته، فعل كما يفعل النسر حين ينشر جناحيه، كانوا اولادا يحملون مفكات عديدة وقد لوثت الأصباغ أيديهم ووجوههم، كان ذو الندوب سريعا جدا،أمسك بأثنين منهما وراح يكيل لهما الركلات واللكمات بقدميه ويديه، شلتهم حركته العجيبة، فر أغلب المارة العابرين ،فيما راح البعض الآخر يتفرج لكن من بعيد! كانت مجموعتنا مذهلة في طريقة شجارها، والفضل في هذا طبعا يعود لخطة ذو الندوب العبقرية! بقيت ارمقهم من الخلف، كنت مكشوفا وحيدا ومرتبكا، حاول إثنان من ذوي المفكات النيل من مساعد ذو الندوب الأيمن لكنه صرخ فيهم، حدث ذلك بقربي تماما، اصفر وجهي لكنه ابعدني عن طريقه،لف ذراعه بقميصه الذي انتزعه عن جسده بسرعة،لوى يد أحدهم ورفس الثاني،كان وجهه قد أصبح قرمزيا وهو يتلقى ضربات المفكات السريعة بذراعه اليمنى، وجدت نفسي في خضم المعركة، لا زلت أجهل كيف حدث ذلك، كنت أكيل الضربات بأقدامي الرخوة لأحد الذين سقطوا أرضا، لم أشعر إلا وثمة من يجذبني من الخلف، يارب السماء!كان يحمل مفكا، والعجيب أنه كان طويلا حتى بدوت كقزم مسكين أمامه! رفع مفكه الحاد اللعين عاليا ولمعت عيناه ببريق الحقد،كاد أن يبقر وجهي لولا تلك اليد السريعة الممتلئة بالندوب والتي شلت حركته تماما، بقينا نحدق ببعضنا، حاول الوصول إلى جسدي شبه المنكمش، لكن ذو الندوب طوا جسده الطويل بعضلاته المفتولة، أحمر وجهي حتى كدت أن أبكي من فرط السعادة،كنت متأثرا جدا، تراخت كف الطويل تحت الضغط المتواصل، خرجت الآه طويلة منغمة من بين شفتيه اليابستين، هتف بي ذو الندوب :
-عليك أن تضربه الآن، هيا، كاد أن يقتلك ياغبي.  حدقت فيه، كان بائسا يتلوى، لم يعد طويلا حتى، فجأة استجمعت قوتي في قدمي ثم وجهت له ضربة بين فخذيه!سمعت ضحكات بعض المارة من خلفي، كانت نظراتي معلقة في التعابير الغريبة ،التي ارتسمت على وجه الطويل!هز ذو الندوب رأسه، أطلق غريمه ثم راح يترقب، لم يمض وقت طويل حتى انسحب صباغي الأحذية، كان معظمهم مدمى، انسحبنا نحن أيضا، كنت امشي في الخلف لكني سمعت بعض رفاقي يهمسون بأسمي، توقف ذو الندوب فجأة واعترض طريقي!راح يرمقني، بادلته النظر، كانت تلك أول مرة أفعلها، تحسر بقوة وقال :
-أرني يدك اليمنى، هيا افردها هكذا.  ظل يحدق في ساعدي، كان الآخرين يتفرجون، فجأة أخرج موسا وقبل أن اسحب يدي أو أنطق بحرف، راح يفتح طريقا! كاد أن يغمى علي، لكنه قبل أن يرمي الموس أرضا سمعته يهمس في أذني:
-أنت كنت أطول منه قامة. 

بقلم /رعد الإمارة /العراق 
9/2/2020

ليست هناك تعليقات: