الاثنين، 10 فبراير 2020

قصة قصيرة بعنوان {{الماضي لايموت }} بقلم القاص العراقي القدير الأستاذ {{رعد الإمارة}}

الماضي لايموت 

انقضت أخيرا ساعات النهار الطويلة المملة وحل المساء، لكن أبي لم يعد بعد من رحلة صيد السمك اليومية ، كانت عمتي العانس بشعرها الأشيب وفمها المزموم تطيل الهمس مع أمي ذات النظرات القلقة،وكنت وشقيقتي الأصغر مني نتبادل الأدوار في مداعبة أخانا الرضيع، مع ذلك فأبي لم يعد بعد. شعرت بجوع شديد وشقيقتي لاحظت ذلك، لم نستطع قول هذا للمرأتين،لقد ضاعف غياب أبي من قلقهما وعصبيتهما حتى بدتا كذئبتين مجروحتين! قالت عمتي وهي ترتطم بأمي عند باب الغرفة :
-لم يفعلها من قبل، أخي المسكين، لطالما حذرته من غدر هذا النهر الكريه الذي يعج بالأفاعي. لم تنبس أمي بأي حرف، فقط راحت ترمش بعينيها الدامعتين، عادت عمتي تقول لكن بعصبية واضحة :
-يالبرودك العجيب هذا، زوجك خرج منذ الفجر وها قد حل المساء، وأنت لاشيء تفعلينه سوى التحديق بي. قالت هذا وابعدت أمي عن طريقها، ثم مشت صوب باب البيت. كانت أمي هي من فتح الباب عندما عادت عمتي، لكنها لم تكن لوحدها، فخلفها كان ثمة ثلة من الرجال يحملون أبي الميت تماما! لم تصرخ أمي، لا أتذكر أنها فعلت ذلك، هي وقعت مغشيا عليها ،تلقتها أحضان عمتي شبه العارية وهي تصرخ كما لم تفعل ذلك من قبل!. مضت شهور عديدة منذ أن مات أبي، أتذكر أنهم لم يسمحوا لنا بالنظر إليه عندما مددوه في باحة البيت، لكننا فعلنا ذلك خلسة أنا وشقيقتي، أتذكر أيضا أننا رحنا نرجف بشدة رغم التصاقنا،كانت شقيقتي تنشج وهي تشير صوب جثة أبي شبه العارية، أما أنا فقد تعلق نظري بسروال أبي الطويل المبلل والذي كان يقطر منه الماء!أدركنا لاحقا أنا وشقيقتي  رغم أعمارنا الصغيرة التي لم تتجاوز الحادية عشرة بأن أبانا مات بنوبة قلبية، وجدوا نصف جسده مغمورا في المياه فيما انغرزت أصابعه بحافة النهر! كانت عمتي ذات الوجه الشبيه بحد السكين تكثر من الحديث مع امي والأنفراد بها، كانتا تفعلان ذلك بعيدا عن مدى اسماعنا، رغم ذلك حل التغيير سريعا، وقد شمل أمي بالدرجة الأساس!لم تكن أمي من النوع الجريء، كانت تفتقد لكثير من ألاعيب النساء، ففيما كانت عمتي ماهرة في ملاعبة حاجبيها واستخدام اصابعها عند الإشارة بصورة قذرة، كانت أمي تكتفي بالأبتسام وتخفض من بصرها! بمرور الأيام والأسابيع اخذت أجواء بيتنا الكئيب  تفوح بروائح عطرة،وراحت المرأتين تتسابقان في إرتداء الألوان،وطوال هذه الفترة الحرجة التي خلفها فقدان أبانا، لم نحظى بأي لفتة حنان لا من أمي ولا من عمتي، لكنهما كانتا تداعبان شقيقنا الرضيع أحيانا خاصة إذا كانتا تنويان الخروج. فيما تلا من الأيام راح يطرق بابنا رجل،وكانت عمتي هي من تهب مسرعة لتفتح له!كان يجلس في البداية في الهول، مرتبكا ومحرجا يحدق فينا من بعيد ويحاول قدر الإمكان منحنا إبتسامة، كانت عمتي هي من تتحدث كثيرا، أما هو فيظل صامتا أغلب الوقت، يضع يديه في حجره، وهذا الأمر كان يضحكنا انا وشقيقتي،رغم ذلك فقد لاحظنا من خلال فرجة الباب المؤدي للهول، لاحظنا أن أمنا هي الأخرى تضع يديها في حجرها، لكن ذلك لم يكن مضحكا لنا بأي حال ،خاصة وأن عمتي كانت تخطط لزواج أمي. كنت أحيط شقيقي الصغير بيدي حين تناهى لي صوت عياط، كانت تلك شقيقتي، هرعت مسرعا وقد توقعت بأن ثمة خطبا ما قد أصابها،وجدت عمتي تحيط بكتفي شقيقتي وهي تهزها هزا عنيفا، جذبت أختي صوبي ووقفت لصق عمتي وانا ارتجف! كان وجهها قد أصبح قرمزيا وهي تحدق في وجهي، كان كلانا يرتعد، توقعت للحظة أن ترتفع كفها لتصفعني، لكنها وهي تديم النظر في عيوني المشتعلة غضبا انطفأ شيء في ملامحها، وخيل لي إن ثمة مايشبه الخوف قد راح يعتريها، ارتدت للخلف ومالبثت أن ازاحت اختي جانبا وهزت كتفيها ودخلت، كانت شقيقتي تمسك بعض ثياب أبي بيديها ،فيما تبعثر البعض الآخر أرضا، جثوت على ركبتي وفعلت أختي مثلي، امتدت اصابعنا المرتعشة معا نحو سروال أبي الطويل، رحنا نحدق ببعضنا ،رفعنا السروال واخذنا نمسح عليه برفق، لم يكن مبللا بل كان جافا تماما!. (تمت)

بقلم /رعد الإمارة /العراق 

10/2/2020

ليست هناك تعليقات: