هي .. بداخلي
أستيقظ كعادتي في الصباح الباكر . لأصلي الفجر حاضر وبعد الإنتهاء من صلاتي .
أتناول وجبة الفطور وحيد الذي أعدته لي زوجتي .
أشعل سيجارة ومعها يروق لي شرب الشاي .
أغير ملابسي وأتوكل على الله . أخرج من منزلي قاصدآعملي .
روتين قاتل نفس الوجوه التي تتكرر يوميآ ونفس الحديث الممل .
فجاءة ثار بركان مملي لأعلن تمردي على واقعي تركت كل شيء وخرجت لألتقط أنفاسي لأغير رتم حياتي .
كأنني كنت أقبع بسجن يحجمي ويطبق علي أضلاعي .
تركت سيارتي في مأرابها لأنني كنت راغبآ بالمشي على قدمي .
تغيرت نفسيتي نحو الأفضل ومدينتي كأنني لم أعش فيها طوال عمري
وجوه شعرت معها بالإرتياح رجال ونساء أطفال وشيوخ
أسواق عامرة ومازامير السيارات كانت بالنسبة لي مهرجان على الفطرة .
قادتني قدمي لذلك الجسر العتيق الذي يتوسط مدينتي
توقفت في منتصفه لأتأمل هذا المنظر الرائع .
نهر دجلة يتهادى بجريانه والنوارس البيضاء تحلق فوقه بسعادة .
نظرت لتلك البيوت القديمة التي هي تاريخ مدينتي ومسقط رأسي وتذكرت الأيام
الخوالي .
ادرت رأسي للجهة الأخرى لتلك الغابة هي رئة مدينتي الجميلة وتبادر في ذهني ذكرى من نبض لها قلبي هي حبيبة الصبا ومازال هواها له أثر لطيف بقلبي .
سحبت نفسآ عميقآ وطرحت زفير مرهق محمل بكل ذلك الحنين لكل تلك الذكريات .
ودعت الجسر والنهر والنوارس وواصلت المسير بإتجاه السوق الكبير .
كان السوق يعج بالناس وتفوح رائحة القهوة من ذلك الدكان وبائع السمك يروج لبضاعته وبائع الخبز يلوح بالرغيف
حياة تختلف برتمها فقدتها منذ زمن بعيد .
واصلت تجوالي وبعد ساعة من التجوال شعرت بألم في قدمي وكنت حينها قريب من مقهى شعبي قررت أن أدخله لارتاح أولآ ولاشرب الشاي ثانيآ .
كنت أنتظر صاحب المقهى ليقدم لي ماطلبت وأذا بتلك الحبيبة صاحبة الأثر تمر من أمامي وبصحبتها طفلين . لكن الأرهاق كان واضح على تقاسيم وجهها والبؤس كان عنوانآ لها من ملابسها المهلهلة .
نهضت من مكاني مسرعآ لأتبعها .
ناداني صاحب المقهى لكنني تجاهلته ، سرت خلفها مباشرة وكان حديث يدور بينها وبين طفليها لكنه كان حديثآ غير مريح .
كانت مشدودة الأعصاب واطفالها يبكون . وهي تلعن حظها العاثر وما ألت اليه .
نبضي متسارع وجبيني متعرق ووجنتي محمرتان ورعشة كانت تهزني من رأسي حتى أخمص قدمي .
حاولت التماسك لكن الامر لم يجدي نفعآ .
رغم تغيرها الجذري نحو الأسوء ، لكنني مازلت أراها أجمل أمراة على وجه الارض .
لم تشعر بوجودي من شدة الزحام والتدافع .
لكن أنفاسي المضطربة كادت تفضحني وتخبرها عن لهفتي عليها .
تأزمت الأمور بين الأم وطفليها وبلغت ذروتها صفعت أحدهم بقوة فسقط على الارض .
هنا سنحت لي الفرصة للتقرب منها . فأسرعت للطفل وحملته على كتفي وقلت لها هدئي من روعك ياسيدتي هو في النهاية طفل .
نظرت لي بنظرت طويلة قرأت من خلالها بأن ذلك الحب مازال له أثر في قلبها .
ساد الصمت بيننا وانطلقت لغة العيون ليدور بينهما حديث طويل ، كانت العتب
حاضر والحنان والإشتياق وحزن على حب كبير لكنه عقيم .
لم نعد ننتمي لمحيطنا وبكاء الأطفال رغم شدته لم يجعلنا ننتبه لهم .
أنهمرت الدموع من عيوننا لكن بصمت .
تحركت شفتي لاكلمها لكنها وضعت يديها على شفتني لتمنعني من ان اتفوه باي كلمة .
أمسكت بأيدي أطفالها ورحلت لتدخل موجة بشرية كانت تندفع بأتجاه الزحام
وتلاشت وأختفت فجاءة كما ظهرت فجاءة .
ومنذ لك اليوم وأنا أجوب الأسواق كل يوم لكن لاوجود لها .. وكأنها أضغاث احلام .
هي .. بداخلي
تمت
الكاتب
جاسم الشهواني
العراق
4 /2 / 2020
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق