الصحابي زيد بن سهل بن اسود
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ د. صالح العطوان الحيالي - العراق- 19-2-2020
زيد بن سهل بن الأسود بن حرام ابن عمرو بن زيد مناة بن عدي بن عمرو بن مالك بن النجار، يكنى أبو طلحة الأنصاري صاحب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ويقال: سهل بن زيد، والأول أصح سكن الشام، أنصاري نجاري ..قال ابن سعد: اسم النجار تيم الله، وإنما سمي النجار لأنه نجر وجه رجلٍ بالقدوم، فلذلك سمي النجار.صحابيٌّ جليلٌ من بني أخوال رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان من بين النقباء في بيعة العقبة، وُلد في المدينة المنورة قبل الهجرة بستّةٍ وثلاثين عاماً، واشتهر في الجاهلية بفروسيّته، حيث كان من أمهر الرماة، وكان يُعدّ من كبار الأنصار، حيث شهد العقبة، ومعركة بدر، وأحد، والخندق، وحضر جميع الغزوات مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان رديفه يوم خيبر، وكان له موقفٌ عظيمٌ يوم أحد وقد آخى النبي -عليه الصلاة والسلام- بينه وبين أبي عبيدة عامر بن الجراح رضي الله عنهما، وقيل إنّ أبو طلحة -رضي الله عنه- كان جهير الصوت، حتى قال عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لصوتُ أبي طلحة في الجيش خيرٌ من ألف رجلٍ)
روايته للحديث
ـــــــــــــ
حدث أبو طلحة قال: سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " لا تدخل الملائكة بيتاً فيه كلب ولا صورة ".
وعن أنس بن مالك قال: كان أبو طلحة، ومعاذ بن جبل، وأبو عبيدة بن الجراح يشربون بالشام الطلاء ما طبخ على الثلث، وذهب ثلثاه، وبقي ثلثه.
كنت رَدِيف النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَلَو قلت ان ركبتي تمس ركبته فَسكت عَنْهُم حَتَّى اذا كَانَ عِنْد السحر وَذهب الضَّرع إِلَى صرعه وَذهب الزَّرْع إِلَى زرعه اغارعَلَيْهِم وَقَالَ
انا اذا نزلنَا بِسَاحَة قوم فسَاء صباح الْمُنْذرين
شهد زيد بن سهل العقبة، وبدراً، وأحداً، والخندق، والمشاهد كلها مع سيدنا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وكان من الرماة المذكورين. وله من الولد: عبد الله، وأبو عمير، أمهما أم سليم بنت ملحان.
عن أنس قال: جاء أبو طلحة يخطب أم سليم فقالت: إنه لا ينبغي أن أتزوج مشركاً، أما تعلم يا أبا طلحة أن آلهتكم التي تعبدون ينحتها عبد بني فلان، وأنكم لو أشعلتم فيها ناراً لاحترقت؟ قال: فانصرف عنها، ووقع في قلبه من ذلك موقعاً، قال: وجعل لا يجيئه نوم. قال: فأتاها.
وفي حديث آخر بمعناه: فإن تسلم فذلك مهري ما أسألك غيره، فأسلم، فتزوجها. قال ثابت: فما سمعنا بمهرٍ قط كان أكرم من مهر أم سليم: الإسلام.
كان مالك أبو أنس قال لامرأته أم أنس: أرى هذا الرجل يعني النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يحرم الخمر، فانطلق حتى أتى الشام، فهلك هنالك مشركاً، فجاء أبو طلحة يخطب أم سليم، فكلمها في ذلك، فقالت: يا أبا طلحة، ما مثلك يرد، ولكنك امرؤ كافر، وأنا امرأة مسلمة، لا يصلح أن أتزوجك. فقال: ما ذاك دهرك. قالت: وما دهري؟ قال: الصفراء والبيضاء، قالت: فإني لا أريد صفراء ولا بيضاء، أريد منك الإسلام. قال: فمن لي بذلك؟ قالت: لك بذلك رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
فانطلق أبو طلحة يريد النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ورسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جالس في أصحابه، فلما رآه قال: جاءكم أبو طلحة غرة الإسلام بين عينيه. فجاء، فأخبر النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بما قالت أم سليم، فتزوجها على ذلك، وكانت امرأة مليحة العينين، فيها صعر، فكانت معه حتى ولدت منه ولداً، وكان يحب أبو طلحة حباً شديداً، فمرض الصبي، وتضعضع أبو طلحة لمرضه، فانطلق أبو طلحة إلى النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ومات الصبي، فقالت أم سليم: لا ينعين إلى أبي طلحة أحدٌ ابنه حتى أكون أنا أنعاه له، وجاء أبو طلحة من عند رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حتى دخل عليها، فقال: كيف ابني؟ فقالت: يا أبا طلحة، ما كان منذ اشتكى أسكن منه الساعة قال: فلله الحمد. فأتته بعشائه، فأصاب منه، ثم قامت فتطيبت، وتعرضت له، فأصاب منها، فلما علمت أنه قد طعم، وأصاب منها قالت: يا أبا طلحة، أرأيت لو أن قوماً أعاروا قوماً عارية لهم فسألوهم إياها أكان لهم أن يمنعوهم؟ فقال: لا، قالت: فإن الله عز وجل كان أعارك ابنك عارية ثم قبضه إليه، فاحتسب ابنك، واصبر. فغضب ثم قال: تركتني حتى إذا وقعت بما وقعت به نعيت إلي ابني؟ ثم غدا على رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فأخبره، فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " بارك الله لكما في غابر ليلتكما ". وفي رواية: فقال: والذي بعثني بالحق لقد قذف الله في رحمها ذكراً بصبرها على ولدها، فثمر حملها.
وكانت أم سليم تسافر مع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، تخرج معه إذا خرج، وتدخل معه إذا دخل، وقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إذا ولدت أم سليم فائتوني بالصبي ". فأخذها الطلق ليلة قربهم من المدينة. قالت: اللهم إني كنت أدخل إذا دخل نبيك، وأخرج إذا خرج نبيك، وقد حضرنا هذا الأمر. فولدت غلاماً حين قدما المدينة، فقالت لابنها أنس: انطلق بالصبي إلى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وهو يسم إبلاً وغنماً، فلما نظر إليه قال لأنس: أولدت أم ملحان؟ قال: نعم. فألقى ما في يده، فتناول الصبي، فقال: ائتوني بتمرات عجوة، فأخذ النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ التمر فجعل يحنك الصبي، وجعل الصبي يتلمظ، فقال: انظروا إلى حب الأنصار التمر، فحنكه رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وسماه عبد الله. قال ثابت: وكان يعد من خيار المسلمين.
وعن أنس قال: قال أبو طلحة: رفعت رأسي يوم أحد فجعلت أنظر، فما منهم أحد إلا وهو يميد من النعاس تحت حجفته
صفاته
ـــــــــ تميّزت شخصية أبي طلحة -رضي الله عنه- بالعديد من الصفات العظيمة، ويمكن بيان بعضها فيما يأتي:
الشجاعة والإقدام:
ـــــــــــــ فقد ضرب أبو طلحة الأنصاري -رضي الله عنه- أروع الأمثلة في الشجاعة والإقدام في الجاهلية والإسلام، فقد كان من أمهر الرماة، ومن المواقف التي دلّت على شجاعته ما رواه أنس بن مالك -رضي الله عنه- عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أنّه قال: (من قتل كافراً فله سَلَبُه، فقتل أبو طلحة يومئذٍ عشرين رجلاً وأخذ أسلابَهُم).
كثرة العبادة:
ـــــــــــــ فمن صفات أبي طلحة -رضي الله عنه- الاجتهاد في الطاعات، فقد رُوي أنّه صام بعد وفاة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ثلاثين عاماً، ولم يكن يُفطر إلا عندما يحرّم الصوم.
الكرم والعطاء:
ــــــــــــ كان أبو طلحة الأنصاري -رضي الله عنه- مثالاً يُقتدى به في الكرم والإنفاق في سبيل الله، فقد رُوي أنّه كان ينفق من أحب الأموال إليه، وفي أحد الأيام سمع أبو طلحة -رضي الله عنه- رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يخطب بالنّاس على المنبر ويقرأ قول الله تعالى: (لَن تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّىٰ تُنفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ)، فقام من غير تردّدٍ ولا تأخيرٍ، وتبرّع بأحبّ أمواله إليه؛ وهو بستانٌ اسمه بيرحاء كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يدخله ويستظلّ بظلّه، ويشرب من مائه، ولكن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أمره بأن يتصدّق به على أقاربه، فتصدّق به أبو طلحة على ذوي رحمه، وكان منهم حسان بن ثابت وأبيّ بن كعب رضي الله عنهم
وفاته
ـــــــ في عهد خلافة عثمان بن عفان -رضي الله عنه- أراد المسلمون الغزو في البحر، وكان حينها أبو طلحة -رضي الله عنه- رجلٌ كبيرٌ في السن، وعلى الرغم من صعوبة الغزو في البحر وعناء الكبر إلا إنّ أبا طلحة أخذ يجهّز نفسه للخروج مع المسلمين، فطلَب منه أبنائه عدم الخروج؛ لأنّه أصبح شيخاً كبيراً، بالإضافة إلى أنّه قد غزا في شبابه مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأبي بكر الصديق، وعمر بن الخطاب رضي الله عنهم جميعاً، فطلبوا إليه الركون إلى الراحة، والسماح لهم بالغزو بدلاً منه، ولكن أبا طلحة -رضي الله عنه- أصرّ على الخروج للغزوة، وقال لهم: إن الله -تعالى- قال: (انفِروا خِفافًا وَثِقالًا)، ويقصد بذلك أنّ الله -تعالى- استنفر الجميع الشيوخ والشباب، ونفر أبو طلحة -رضي الله عنه- في تلك الغزوة، وبينما هو على ظهر السفينة في وسط البحر، مرض مرضاً شديداً توفّي على إثره، فأخذ المسلمون يبحثون عن يابسةٍ ليدفنوه فيها، ولكنّهم لم يجدوا إلا بعد سبعة أيام، ودُفن أبو طلحة -رضي الله عنه- وحيداً بعيداً عن الأهل والوطن في جزيرةٍ نائيةٍ، فكانت حياته ووفاته في سبيل الله
المصادر
1- ابن منظور - مختصر تاريخ دمشق
2-سير أعلام النبلاء .
3- الطبقات الكبرى لابن سعد
4- الإصابة في تمييز الصحابة
5- تهذيب الكمال للمزي
6- أسد الغابة في معرفة الصحابة
7- تاريخ خليفة بن خياط
7- تاريخ ابن عساكر
8- تاريخ البخاري الكبير
9- المستدرك للحاكم
10-تاريخ الاسلام
11- تهذيب ابن حجر
12- شذرات الذهب
13- تهذيب الكمال للكزي
14- المعجم الكبير للطبراني
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق