الصحابي ثمامة بن اثال
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ د. صالح العطوان الحيالي - العراق- 24- 2- 2020
ثمامة بن أثال بن النعمان بن مسلمة بن عُبيد بن ثعلبة بن يربوع بن ثعلبة بن الدؤل بن حنيفة بن لجيم بن صعب بن علي بن بكر بن وائل بن قاسط بن هنب بن أفصى بن دعمي بن جديلة بن أسد من نزار بن معد بن عدنان
يوصف ثمامة بن اثال بأنه حسن الوجه، طويل القامة، عريض المنكبين، نحيف الجسم، سريع الحركة، حاد الصوت، واضح الكلمات، قوي النظر، قال عبدالرحمن بن عوف (كان ثمامة رجل وسيم ، طوالاً ، نحيف ، أبيض البشرة)
لصحابي الجليل ثُمامة بن أثال رضي الله عنه قبل إسلامه عندما قام الصحابة بأسره وحبسه لكي يُسلم، كان يأتي إليه الرسول صلى الله عليه وسلم في كل يوم لعلَّه يُسلم، وكان ثُمامة يرد عليه في كل مرة قائلاً: "يا محمد إن تقتل تقتل ذا دم وإن تُنعم تُنعم على شاكر".
هنا يُجسِّد ثُمامة قيمة الإنسان بذاته، بمعنى آخر(يامحمد إن تقتل فإنك تقتل إنسان بريء ليس له ذنب سوى أنه لا يؤمن بدينك) وكأن ثُمامة يريد أن يقول للنبي صلى الله عليه وسلم: دم الإنسان ليس رخيصاً يا محمد، دم الإنسان أغلى من كل الأديان يا محمد.
وأراد ثمامة أيضاً أن يقول من خلال موقفه هذا: إن كُنتُ سوف أُسلم فإني سأُسلم عن قناعة واقتناع، ولن أدخُل في الإسلام خوفاً منك يا محمد ومن أتباعك ولو كان الجزاء هو القتل!!
كانت سرية محمد بن مسلمة هي أول عمل عسكري بعد غزوة الأحزاب وقريظة، وقد تحركت هذه السرية [ في المحرم من العام السادس للهجرة] في مهمة عسكرية ضد بني القرطاء في أرض نجد، وفي طريق عودة السرية، تم أسر ثمامة بن أثال الحنفي سيد بني حنيفة، والصحابة لا يعرفونه، فقدموا به المدينة وربطوه بسارية من سواري المسجد، فلما خرج إليه الرسول قال : "أَتَدْرُونَ مَنْ أَخَذْتُمْ ؟ هَذَا ثُمَامَةُ بْنُ أُثَالٍ الْحَنَفِيّ ، أُحْسِنُوا إسَارَهُ " ورجع الرسول صلى الله عليه وسلم إلى أهله، فقال لهم : "اجْمَعُوا مَا كَانَ عِنْدَكُمْ مِنْ طَعَامٍ فَابْعَثُوا بِهِ إلَيْهِ " .. وقد أمر النبي بِلِقْحَتِهِ – أي ناقته - أَنْ يشرب ثمامة من حليبها. ولازال الرسول يتودد إليه ويتردد عليه، ويدعوه إلى الإسلام، ثم أمر أصحابه بفك أسر ثمامة. فذهب ثمامة من تلقاء نفسه إلى نخل قريب من المسجد النبوي – ولم يذهب إلى أهله – ومن تلقاء نفسه – أيضًا -، اغتسل غُسل المسلمين، ثم قدم إلى المسجد فنطق بالشهادتين، ثم علَّمه الرسول صفة العمرة على المنهج الاسلامي، ولقنه التلبية.
أول معتمر في الإسلام
استأذن ثمامة الرسول صلى الله عليه وسلم ان يؤدي العمرة فكان أول مسلمٍ على ظهر الأرض يدخل مكة ملبِّياً، وكانت لا تزال بيد الكفار، ولا يزال فيها الأصنام . حتى إذا بلغ بطن مكة وقف يجلجل بصوته العالي، قائلاً: لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمـد, والنعمة, لك والملك، لا شريك لك، لا شريك لك سمعت قريشٌ صوتَ التلبية، فهبَّت الجمع مستلين سيوفهم مِن أغمادها، واتجهت نحو الصوت لتبطش بهذا الذي اقتحم عليها عرينها، ولما أقبل القوم على ثمامة، رفع صوته بالتلبية رفع العيار، فهمَّ فتىً من فتيان قريش أن يرديه بسهمٍ، فأخذوا على يديه، وقالوا: ويحك أتعلم من هذا؟ إنه ثمامة بن أثال، ملك اليمامة، فقتْلُه يشعل علينا نارَ حربٍ كبيرةٍ، أخذوا على يديه، ومنعوه أن يناله بسهم، وقال الناصح: والله إن أصبتموه بسوءٍ لقطع قومه عنا الميرة، وأماتونا جوعاً، ثم أقبل القوم على ثمامة، بعد أن أعادوا السيوف إلى أغمادها، وقالوا: ما بك يا ثمامة، أصَبَوْتَ؟ يعني أسلمت، وتركتَ دينك ودين آبائك, قال: ما صبوت، ولكني اتبعتُ خير دينٍ، اتبعت دين محمد صلى الله عليه وسلم
عندما انتهى ثمامه بن اثال من عمرته، قال لسادات قريش ( أقسم برب هذا البيت إنه لايصلكم بعد عودتي إلى اليمامة حبةٌ من قمحها أو شيء من خيراتها حتى تتبعوا دين محمد عن آخركم) و عاد إلى بلاده فأمر قومه بأن يحبسوا الميرة عن قريش، فصدعوا بأمره واستجابوا له، مما جعل الأسعار ترتفع في مكة، ويفشو الجوع ويشتد الكرب حتى خافوا على أنفسهم وأبنائهم الهلاك. عند ذلك كتبوا إلى الرسول صلى الله عليه وسلم يقولون: إن عهدنا بك تصل الرحم وتحض على ذلك.. وإن ثمامة بن أثال قد قطع عنا ميرتنا وأضرَّ بنا. فإن رأيت أن تكتب إليه أن يبعث بما نحتاج إليه فافعل. فكتب عليه الصلاة والسلام إلى ثمامة بأن يطلق لهم ميرتهم
فأطلقها
عن أبي هريرة قال: كان إسلام ثمامة بن أثال الحنفي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دعا الله حين عرض لرسول الله صلى الله عليه وسلم بما عرض أن يمكنه منه, وكان عرض لرسول الله وهو مشرك فأراد قتله فأقبل ثمامة معتمرًا وهو على شركه حتى دخل المدينة فتحير فيها حتى أخذ فأتى به رسول الله صلى الله عليه وسلم فأمر به فربط إلى عمود من عمد المسجد فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم عليه فقال: "ما لك يا ثمام هل أمكن الله منك", فقال: قد كان ذلك يا محمد, إن تقتل تقتل ذا دم, وإن تعف تعف عن شاكر, وإن تسأل مالاً تعطه, فمضى رسول الله صلى الله عليه وسلم وتركه, حتى إذا كان من الغد مر به فقال: "ما لك يا ثمام", قال: خير يا محمد؛ إن تقتل تقتل ذا دم, وإن تعف تعف عن شاكر, وإن تسأل مالاً تعطه ثم انصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم قال أبو هريرة: فجعلنا المساكين. نقول بيننا: ما نصنع بدم ثمامة والله لأكلة من جزور سمينة من فدائه أحب إلينا من دم ثمامة, فلما كان من الغد مر به رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: "ما لك يا ثمام" قال: خير يا محمد, إن تقتل تقتل ذا دم, وإن تعف تعف عن شاكر، وإن تسأل مالاً تعطه, فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أطلقوه قد عفوت عنك يا ثمامة"..
فخرج ثمامة حتى أتى حائطًا من حيطان المدينة فاغتسل فيه وتطهر وطهر ثيابه, ثم جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو جالس في المسجد فقال: يا محمد لقد كنت وما وجه أبغض إلي من وجهك, ولا دين أبغض إلي من دينك, ولا بلد أبغض إلي من بلدك, ثم لقد أصبحت وما وجه أحب إلي من وجهك, ولا دين أحب إلي من دينك, ولا بلد أحب إلي من بلدك؛ وإني أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله, يا رسول الله إني كنت خرجت معتمرًا وأنا على دين قومي فأسرني أصحابك في عمرتي؛ فسيرني صلى الله عليك في عمرتي فسيره رسول الله r في عمرته وعلم,ه فخرج معتمرًا, فلما قدم مكة وسمعته قريش يتكلم بأمر محمد قالوا: صبأ ثمامة فقال: والله ما صبوت ولكنني أسلمت وصدقت محمدًا وآمنت به, والذي نفس ثمامة بيده لا تأتيكم حبة من اليمامة -وكانت ريف أهل مكة- حتى يأذن فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم وانصرف إلى بلده, ومنع الحمل إلى مكة فجهدت قريش, فكتبوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يسألونه بأرحامهم إلا كتب إلى ثمامة يخلي لهم حمل الطعام؛ ففعل ذلك رسول الله, ولما ظهر مسيلمة وقوي أمره أرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم فرات بن حيان العجلي إلى ثمامة في قتال مسيلمة وقتله.
كانت ميرة قريش ومنافعهم من اليمامة ثم خرج فحبس عنهم ما كان يأتيهم منها من ميرتهم ومنافعهم, فلما أضر بهم كتبوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم إن عهدنا بك وأنت تأمر بصلة الرحم وتحض عليها, وإن ثمامة قد قطع عنا ميرتنا وأضر بنا, فإن رأيت أن تكتب إليه أن يخلى بيننا وبين ميرتنا فافعل, فكتب إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أن خل بين قومي وبين ميرتهم".
أثر ثمامة بن أثال في الآخرين :
كان ثمامة بن أثال الحنفي يقشعر جلده من ذكر مسيلمة وقال يومًا لأصحابه: إن محمدًا لا نبي معه ولا بعده, كما أن الله تعالى لا شريك له في ألوهيته فلا شريك لمحمد في نبوته, ثم قال: أين قول مسيلمة: يا ضفدع نقى نقى كم تنقين لا الماء تكدرين ولا الشرب تمنعين من قول الله تعالى الذي جاء به محمد صلى الله عليه وسلم: {حم * تَنْزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ * غَافِرِ الذَّنْبِ وَقَابِلِ التَّوْبِ شَدِيدِ الْعِقَابِ ذِي الطَّوْلِ لا إِلَهَ إِلا هُوَ إِلَيْهِ الْمَصِيرُ} [غافر: 1- 3], فقالوا: أوقح بمن يقول مثل ذلك مع مثل هذا; قيل: فأطاعه ثلاثة آلاف وانحازوا إلى المسلمين, فلما قدم خالد بن الوليد اليمامة شكر ذلك له وعرف به صحة إسلامه.
من كلمات ثمامة بن أثال :
قال ثمامة بن أثال حين ارتد من ارتد من أهل اليمامة:
دعانا إلى ترك الديانة والهدى *** مسيلمة الكذاب إذ جاء يسجع
فيا عجبًا من معشر قد تتابعوا *** له في سبيل الغي, والغي أشنع
في أبيات كثيرة ذكرها ابن إسحاق في الردة وفي آخرها:
وفي البعد عن دار وقد ضل أهلها *** هدى واجتماع كل ذلك مهيع
من كلماته لقومه ينهاهم عن اتباع مسيلمة: "إياكم وأمرًا مظلمًا لا نور فيه, وإنه لشقاء كتبه الله عز وجل على من أخذ به منكم, وبلاء على من لم يأخذ به منكم يا بني حنيفة".
قال محمد بن إسحاق ارتد أهل اليمامة عن الإسلام غير ثمامة بن أثال ومن اتبعه من قومه فكان مقيمًا باليمامة ينهاهم عن اتباع مسيلمة وتصديقه ويقول: إياكم وأمرًا مظلمًا لا نور فيه وإنه لشقاء كتبه الله عزوجل على من أخذ به منكم وبلاء من لم يأخذ به منكم يا بني حنيفة, فلما عصوه ورأى أنهم قد أصفقوا على اتباع مسيلمة عزم على مفارقتهم ومر العلاء بن الحضرمي ومن تبعه على جانب اليمامة, فلما بلغه ذلك قال لأصحابه من المسلمين: إني والله ما أرى أن أقيم مع هؤلاء مع ما قد أحدثوا وإن الله تعالى لضاربهم ببلية لا يقومون بها ولا يقعدون وما نرى أن نتخلف عن هؤلاء وهم مسلمون وقد عرفنا الذي يريدون وقد مر قريبًا ولا أرى إلا الخروج إليهم, فمن أراد الخروج منكم فليخرج فخرج ممدًا العلاء بن الحضرمي ومعه أصحابه من المسلمين, فكان ذلك قد فت في أعضاد عدوهم حين بلغهم مدد بني حنيفة.
وفاته
توفي بعد حروب الردة في البحرين. حيث قتل و هو في طريق العودة إلى اليمامة. فقد كان لابساً خميصة الحطم بن ضبيعة و ظن اصحاب الحطم ان ثمامة هو من قتله، ولم يكن ثمامة هو من قتل الحطم بل اشتراها ممن غنمها في الحرب، فقتلوه انتقاماً للحطم.
المصادر
1-الاستيعاب في معرفة الأصحاب ، ابن عبدالبر
2- ثمار القلوب في المضاف والمنسوب،الثعالبي
3- جمهرة أنساب العرب، ابن حزم
4- أسد الغابة في معرفة الصحابة، ابن الاثير
5- السيرة النبوية لابن هشام
6- سيرة ابن اسحاق
7- معرفة الصحابة لأبي نعيم الأصبهاني
8- صحيح البخاري
9- الإصابة في تمييز الصحابة
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق