الخميس، 21 مايو 2020

ج7 من قصة {{هنا مات وطني}} بقلم الكاتب العراقي القدير الأستاذ{{مهند كريم التميمي}}

الفصل السابع من قصة / هنا مات وطني ..

و حين عودتي إلى منزلي صادفني طفلً في طريقي لم يبلغ من العمر الأثنا عشر ,  كان هزيل البنيه رث الثياب ملامحه الشاحبة وملامح الجوع تظهر على محياه  يحمل في يده وعاء معدني صغير حافي القدمين يستجدي المارين بمحاذته , وقفت  أمامه و هو ينظر ألي بنظرات بائسة قائلاً إلا تعطيني بعض من النقود كي  أشتري بها بعض الطعام فأنا و الله منذ البارحة لم أأكل أي شيء , نظرت  أتمعنه من أعلى رأسه حتى أخمص قدمه قلتُ له مالذي فعل بك هكذا و لما تلك  الندوب و الجراح اللتي تملاً يداك و قدمك , قال أحلفك بالله أن تساعدني دون  أن تسألني شيءً فقلبي الصغير لا يحتمل ما يجري لي , بكى الطفل حينها فحاول  السير , فقلتُ له توقف يا أيها الصغير , قال ماذا تريد مني , قلتُ له ما  أسمك , أجاب قائلاً أنا العبد الفقير اللذي تلاشى ما بين سخافة أباه و ما  بين قحط زمانه , ضممته ألى صدري لأبث فيه روح الطمائنية والأمان , وطلبت  منه أن يرافقني ألى منزلي لأمد له يد المساعدة بما تسمح قدرتي , وافق الطفل  على مضض لكن الجوع كافر فوضعت يدي على كتفه لأتوكئ عليه وهو أسند جسمه  النحيل على جانبي الأيسر ومضينا نتسامر بأحاديث لا معنى لها وأجامله ببعض  الأبتسامات رغم ما يعتريني من ألم , و عند وصولي ألى منزلي جفل الطفل حينها  وهو متردد بالدخول وهو ينظر ألى محتوى منزلي من أحداث يوم أمس ومافعلته به  ومافعلته بي تلك الزمرة الضالة , بخلع الباب و بعثرت الأثاث و تلك الدماء  اللتي كانت تخر مني على الأرض , سأل الطفل وهو ترتعد فرائضه ماهذا الخراب  اللذي حل بمنزلك وما هذه الدماء المتخثرة اللتي تملئ أرضيته , أجبتُ قائلاً  لا عليك سأحاول ترتيب كل شيء الأن , ما عليك سوى أن تدخل الى الحمام  وتغتسل سأقوم بتجهيز مانأكله ونشربه ثم نرتاح قليلاً , حينها دخل الطفل ألى  الحمام و أنا حاولت تصليح باب منزلي و ترتيب الأثاث ثم ناديتهُ لم تعرفني  بأسمك حتى هذا الوقت , أجابني بمعتز قلتُ له و كيف تجري الأمور  معك قال لا  بأس كل شيءً على ما يرام فأنا قاربتُ على الأنتهاء , دخلت ألى غرفتي وأنا  أقصد خزانة الثياب لأحضر له منشفة وبعض الثياب مع علمي أنا لن تناسبه لكنا  نظيفة وأفضل من اللتي يرتديها ثم ناديته وناولته المنشفة والثياب خرج من  الحمام وهو ضائع بالملابس , جلس على الكنبة بالقرب من نافذتي و هو يشاهد  المارين و الأشجار و المباني العالية اللتي تملئ محيط بلدتي , قلتُ له هل  أعجبك المنظر , أجاب نعم و هو يتكأ على حافة الشباك ثم قال هل تعلم بأني لم  أعش هذه اللحظات الجميلة منذ دمر حياتنا أبي , قلتُ له عليك أن تأكل و  تشرب حتى الأرتواء و بعدها تنام لترتاح و من ثم نجلسُ سويتاً لنحتسي البعض  من القهوة الفرنسية و نتحدث عن كل شيء , جلس الطفل على مائدة الطعام وبدأ  يأكل بنهم ويأكل حتى أمتلاءت معدته حتى الأرتخاء حينها طلب مني أذا كان  بالأمكان الأستلقاء قليلاً فأصطحبته ألى حيث أرقد ثم ذهبت لأعالج تلك  الجروح العميقة و الكدمات اللتي كانت تشوه ملامح وجهي و جسدي ثم حاولت  الأسترخاء على كنبتي قليلاً حتى غفوت دون شعور من شدة الألم اللذي يستحل  جسدي , و بعد مرور من الوقت شعرتُ بأنه يجلس بالقرب مني وهو ينظر ألى  الضمادات على وجهي و صدري و يدي و قدمي , نظرتُ أليه قائلاً هل أرتحت في  نومك , أجاب من اللذي فعل بك هكذا , أجبتهُ لم ترد على سؤالي , قال لم  أجيبك حتى تجيبي علي , قلت له ما رأيك بان نصنع القهوة معاً , قال لا بأس  لكن عليك الرد على سؤالي , حينها أبتسمت في وجهه ثم قمتُ و قبلت جبينه ثم  بدأتُ بتحضير القهوة على طاولتي القريبة من شباك نافذتي , وكان مرتاحاً  جداً و هو ينظر ألى الشارع , قلتُ له هل تألمك تلك الندوب , قال لا تؤلمني  بقدر ما يؤلمني قلبي على عائلتي اللتي سحلت وهتكت وأنهارت بعد رحيل أمي  رحمها الله , طلبت حينها أن يحدثني عن نفسه و عائلته و على ما جرى له حتى  أصبح طفلً مشرد بين تلك الأزقة الكبيرة دون متابعةً أو رقيب , قدمتُ لهُ  القهوة قائلاً عليك أن تعطيني رأيك بها قبل البدأ يا معتز , أجاب بحرقة  ياليتني أستطعم بطعم أي شيءً في حياتي بسبب والدي العزيز , سأحدثك بالقليل  عني , قال أنا فلان أبن فلان أبن فلان الفلان , نحن من بلدة تدعى فلان ,  قبل أربعة سنين كان أبي يعمل في دباغة الجلود الواقع في فلان المكان , و  كنا ميسوري الحال نعيش بحياة لا بأس بها وأفضل بكثير ممن حولنا, لي أخً  واحداً على أربعة فتيات أكبر مني و كانت أمي تعجن الدقيق وترقه وتخبزه  وتبيعه لكل من يقصدها طالباً للخبز , حينها و ذات يوم من الأيام جاء أبي  ليلاً مترنحاً و كانت رأئحة الخمر تعجُ بكل مكان من حوله طلب من أمي كعادته  أن تعطيه بعضاً من ما تبقى من غلة الخبز اللذي باعته اليوم , حينها كنا  نائمين جميعاً و أستيقظنا على صراخ أبي و هو يقول سأهدم البيت على رؤسكم أن  لم تعطوني مبلغ من المال و كانت أمي المسكينة تبكي من شدة خوفها منه و هي  تقول لم يتبقى سوى ثمن دقيق القمح اللذي سأشتريه يوم غداً ثم أبيعه , حينها  قام بضربها دون أدراك أو حتى شعور فذهب أخي الكبير ليقوم بتهدأت الحال ثم  قام بضربه ضرباً مبرحاً على رأسه حتى سال دمه , ثم خرج من المنزل , حينها  خرجنا من فراشنا مسرعين كي نرى ما فعل أبي ثم قمنا بتضميد جرح رأس أخي و  كانت أمي متعبه جداً من شدة الضرب و بعدها بساعات قليلة عاد أبي مجدداً و  هو يطالب بالمال قامت أمي بأعطائه ما كان تحتفظ به في حوزتها ثم قال  سأبيعكم جميعاً حتى أكسب النرد , ثم خرج و لم يعود حينها , و في اليوم  التالي صحى أخي من نومه فوجد أمي تبكي فجلس بالقرب منها قائلاً لا عليكِ  سأخرج أبحث عن عمل كي أستطيع حمل مسؤولية هذا المنزل , ثم خرج , و بعدها  بلحظات عاد أبي الى المنزل يطلب الطعام من أمي أجابته لا نمتلك أي نقود  لنستيطع شراء الطعام و الخبز لقد أعطيتك ليلة البارحة كل ما كان في حوزتي ,  أجبها قائلاً هناك شخصاً ما يود خطبة أبنتك الكبيرة و هو سيزورنا هذا  المساء أبلغيها بذلك ثم خرج مجدداً , و بعد خروج أبي كانت أختي الكبيرة  تسمع الحديث اللذي دار بينهم حينها خرجت من الغرفة مسرعة لأمي قائله ما بال  أبي و من هذا الشخص اللذي يود أن يزوجني له , أجابته لا أعلم بما يفكر فهو  حتما قد جن جنونه بسبب ذلك الخمر و لعب النرد , و في المساء عاد أبي و  بصحبته رجل كبير السن يقارب عمره الستون أو السبعون سنة , دخلوا سويتاً على  غرفة الضيوف نادى على أمي تعالي , و بعدها لا نعلم أو ندرك ما دار الحديث  بينهم و ما بين الضيف ..
بقلم الكاتب / مهند كريم التميمي !!

ليست هناك تعليقات: