الأحد، 14 يونيو 2020

قصيدة تحت عنوان {{أنينُ العصافير}} بقلم الشاعر العراقي القدير الأستاذ{{حسام عبد الكريم}}

أنينُ العصافير ١٥/ مايس- ٢٠٢٠

تَقُضُّ هَجيعي في اللّيالي شَواغِلُهْ 
ولوعاتُ آفاتِ الجمالِ جَواذِلُهْ ١

وقيداتُ أفكاري قٌنوطٌ عزيفُها 
صدى خائِلي ما انفكَّ هَمسي يُغازِله ٢ 

أنينُ عصافيري بجوفِ وسادتي 
دبيبَ عناكيبٍ تدورُ مغازِله ٣ 

فيَعْتَملُ المجنونُ فيَّ جنونَه 
لآخرَ يُطريهِ وحيناً يُعاذِله ٤ 

سَحابُ فُصولي، جاءَ ما جاءَ ساخِطاً 
مناضيدَ سِجِّيلٍ تَمَطَّرَ وابِله ٥ 

ولي مُقتَضَىً في اللّا معانِ مُفَخخٌ 
صُعوداً على المَملولِ والضيقُ نازِله 

تآكلٌ أيامي كما يأكلُ البَلا 
ثمينَ زمانِ الموتِ والموتُ عاضِله ٦ 

إذا العالمُ المعمورُ محضُ إرادةٍ 
تَطلَّبَ رغباتٍ كُثاراً تُطاوِله

وما دُمتَ خضّاعاً لتلك وهذه 
تفُكُّ زِرارَ الحُلْمِ والخوفُ عاقِله ٧ 

فلستَ على الاطلاقِ مُنشِدَ راحةٍ 
تدومُ ووجهُ السّعدِ يقفلُ راحِله ٨  

شَقيَّاً بإشباعِ الرّغائبِ إنّما 
تُراودُ طيرَ الليلِ والليلُ غائِله ٩ 

روَيْدكَ هذي النفسُ تُؤيكَ للشقا 
لحاجٍ لها لا للذي أنت كافِله ١٠ 

ستُغريكَ مَحسوراً مَلوماً ووجهُهُ 
قفاهُ ومن عاليهِ مُكِّن سافِله

هواجسُها نارٌ حَفيٌّ لَذيعُها 
بميلِ بني الأنسانِ لا ما يحاوِله

سعادتُنا وهمٌ وفكرةُ أنها 
كصفقةِ ربحٍ باذلُ السَّعيِ نائِله

لتُشبِهُ عنقاءً يُجددُ ضِلَّهُ
رمادُ لهيبِ النار وهيَ مَقاتِله

ومفترضاتُ العيش تستنفرُ الجوى
ولُوهاً خِضَمّاً ثم ينْكَفُّ هائِله 

ثعالبُها مكرٌ يشاغل هَيِّماً 
تروغُ على وجدانِه وتُحايِله 

لضربةَ حظٍّ نادرٍ إن تلازمتْ 
ملائمةٌ للحب لَوْلا تعادِله 

يرُصّانِ زيتوناً لِيحلو أكولُه 
ويستقصيان الحُلمَ نَشْيَاً يُماثِله

فيكبسُ في حَجرٍ ركاماً من الجُذى 
ومن شَهَواتِ الصَمتِ ينفذُ صائِله

يُدَلُّ عليها من عناقٍ وهمسةٍ 
وجمعٍ حميميٍّ لِيَحصُل حاصِله 

يغوصان من تحت المُلائةِ في عَرىً 
سلامُهما من جوهر الكون طائِله 

لِيوري المِدَقُّ النارَ في غصن أيكةٍ 
به الدفءُ لحنٌ يُبهِجُ النفسَ راتِله 

وفي فُرضةٍ مَقبوضَةٍ غالَ طاحِناً 
يَدُكُّ شراراً حيثُ شَبَّتْ مشاعِله 

فيبذُرُ فقعُ الذئبِ لَسعَ غبارِه 
بما ذَرَّ مرصوصاً من الطلعِ وابِله

تَراصُ خلايا النحلِ يترعُ شهدَهم 
وفوق ضفافِ الجوع يَنصبُّ سائِله 

يؤولُ نُكوصٌ كاسفٌ وكآبةٌ 
كذنبٍ تَرُضُّ الحانيين مخاجِله 

ألم يلحظا الشيطانَ يسخرُ منهما 
بتسخيفِ ضَحّاكٍ تَصِلُّ جلاجِله      

هو الألمُ البرّاحُ ما إن تُزيحُهٌ 
يَشُقُّ سواهُ للشعورِ مُماثِله 

إذا لم أجدْ ما يَقْلَقَنَّ بخاطري 
فهذا بحدِّ الذاتِ ثَمَّ قلاقِله

تفاهةُ فَقري لا يغورُ له دمٌ
لذِبحٍ ولا من عُنقِ طيرٍ سوائِله 

ورفعةُ فقري في ابتآسي مُماهِياً 
مهاولَ من عِبئي فيأمنَ كاهِله  

كتابُك دربٌ للعلومِ ومخرجٌ 
إلى الناس من ثَمَّ الحياةُ مداخِله 

فترقى لفَهم الموتِ أُنسَا ومكسَباً 
لِمن هَزْهَزَتْهُ في الحياةِ زلازِله 

وما معنى عيشي في الحياة وموتتي 
أرُبَّ فلاحٍ في المَمات يُفاضِله

خلائقُ أهلِ الموتِ احمدَ في الرَّدى 
ويُزري أخاهُ في الحياةِ مُناكِله 

عُدولاً وهم أمواتُ أكثرُ مِنهمو 
على قيدِ دنياهم طريدٌ وآكله ١٢ 

ولو أن وجها للقبور التي أرى 
كنسيان يكسوه من النبت ذابله 

وأخرى عليها للرياحين منبت 
تنافجُ أيَّ الميت تعلو منازله 

صباحي لُغوبٌ والمَساءآتُ رؤيتي 
هما الكونُ في ذاتِ الحدودِ مَخايِله ١٣ 

مكاني خفي من يكده فلن يرى 
فلا هو مطنوب ولا أنا خازله 

متى ما تلج في اللامكان قيامتي 
يمر عليها الله والحمد جازله 

توائم فيه العدل والسعد فكرة 
تناغم لحن الشعر حين تزاجله 

أسيح به خلف الغيوم وباصري 
شفيف كألواح الزحاج مخامله 

تُشَذِّبُ إحساسي المُخاتِلَ ريحُهُ 
تجوبُ طِياتِ الكونِ حيثُ تُزاوِله ١٤

فلا موطناً للموتِ تدرُكُهُ ولا 
لميلادِها حَيْزاً تعيهِ قَوابِله ١٥

بحمّى ودادِ الناسِ تَلقَحُ زهرَهم 
فتُنتِجُ أثماراً تطيبُ مآكِله

فراشات عتقي تلثم الورد ما بدا 
نشيا وتبقي نافلات معاسله 

وما العالمُ المنكودُ إلّا تخاذُلٌ 
تكاد تحيفُ العدلَ فيهِ بَواطِله ١٦

بدايةُ مَسعاهُ حظوظٌ لِينتهي 
مَنِ الغالبُ الجاني، مَنِ الحظُّ خاذِله ١٧

فَلَم يَكُ عقلانيَّ بل هو عابثٌ 
على الصُّدفةِ العمياءِ يصعدُ كاسِله 

يّجَرِّح كَفّائينَ في كبريائِهم 
رهينةَ خَيباتٍ فيهبطُ عامِله 

فليس لهذي الناسِ إلّا مُسَلَّمٌ 
هو الجُرحُ فيهم والأنامُ عقابِله ١٨ 

وأولُ حُلْمي ضدَّ وعيي مُبَدِّلا 
غباوتَهُ والحُلمُ أفطَنَ عاقِله ١٩

أُناغمُ موسيقايَ فنَّ قصائدي 
وثَمَّةَ لفظٌ لم تَرُمْهُ دلائِله 

بها الكونُ وَحدانيُّ عَبرَ وجودهِ 
ولا مثلما لفظٍ يشُطُّ تواصُله 

هو الشعرُ لا ينفكُّ لحناً مُحاكياً 
صدى كائناتِ الكونِ حيثُ أغازِله 

فأسمو بوعيِ الذاتِ من وحيِ خَلجَتي 
على أنّ هذا الكونُ حقٌ تكامُله 

ولست لوحدي مُستسيغاً سماعَها 
ولكنَّما كلُّ الوجودِ وآهِلُه

حسام عبد الكريم/ العراق. 
____________
شرح المتن

١. الجواذل:- المُفرِحات المُبهجات.
٢. العزيف:- من أسماء أصوات العُصفور، صوت الجن، صوت الريح.
٣. العناكيب:- جمع عنكبوت. 
٤. يُطريه:- أطرى- أحسن المدحَ والثناءَ، تَمَلّق.
٥. مناضيدُ سجّيل:- نضد- جعل الشيئ فوق الآخر، إشارة الى الآية الكريمة، فلما جاء أمرنا جعلنا عاليها سافلها وأمطرنا عليها حجارةً من سِجّيل منضود* ٨٢/ هود.
٦. البلا:- المرض، عاضِلهُ- عضل- حال ومنع بينه وبين ما يريد في الحياة.
٧. الزرار:- زَرَّ، و زَرَّرَ تزريراً- أدخل الأزرارَ في عُراها، عاقله، عقل- شدّ ومنع وحبس.
٨. يقفل:- قفل- رجع وعاد. 
٩. غائله:- غالَ- أخذ به من حيث لا يدري، أضلّه وغيَّبه.
١٠. رُويْدَكَ:- كلمة وظيفية بمعنى،  أمهل وتأنَّ وطِبْ نفساً، الحاج- الحاجة.
١١. العنقاء:- طائر خيالي أسطوري، تقول الأسطورة إنه يحرق نفسه بنفسه ذاتياً، ليعود من رماده يُخلق من جديد وهكذا دواليك مرَّ الأعوام يُخلق من الرماد ويموت بناره.
١٢. كعصفٍ وآكلُه:- العصف- النبت المتكسر، التبن، هو حطام الزرع اليابس تكسر فهو معصوف، كما لو أن الريح عصفته، فأكلته الدواب وداسته، العصف المأكول- هو بقايا ما أكلت البهائم من زروع يابسة، فجعلهم كعصف مأكول*- ٥/ الفيل.
١٣. اللُّغوب:- التعب والمشقة، المَخايِل- الخيالات.
١٤. شَذَّبَ:- نقّح، صحح بالحذف والأختصار.
١٥. قوابل:- مفردها قابلة- السيدة التي تساعد الحامل على ولادتها.
١٦. تَحيف:- تجور وتميل في الحكم.
١٧. الجاني:- المستفيد، قاطف الثمر.  
١٨. العقابل-  مفردها عقبل- بقايا الجرح، بقايا العلة والعدوات.
١٩. أفطنَ:- أكثرَ ذكاءً وفَهماً.

ليست هناك تعليقات: