قصة (ديك الجيران)
أبتلع صوته عندما وجدني أحدّق فيه بغضبْ، كان ذلك ديك الجيران ذو اللون الأسود والعرف الأحمر، لوى رقبته ثم أشاحَ ببصره، لكنه لم يتحّرك عن السور الفاصل، حَوّلتُ نظري، أخذت أبحث في الأرض عن بعض الحصى، سحقاً! كان المكان يلمع، آه، أخيراً هاهي ذي واحدة، أنحنيتُ بسرعة،ياللبراعة! كان الديك قد أختفى وكأنه واحد من الأشباح، هَززتُ كتفيّ ،أستدرت منصرفاً وقد قَررتُ معاودة النوم. لم تَمضِ سوى لحظات حتى شعرت بصوت الديك يكادُ يخترق طبلة أذني، لم يكن صوتاً عادياً ،وكأن أصوات الديكة كلها قد تَجمعّتْ فيه! حاولتُ إخفاء وجهي بالوسادة، لكن عبثاً، إذ أطارَ هذا الحقير ماتبقى من جحافل النعاس، والتي فرّتْ مذعورة عن أجفاني! نَهضتُ يسبقني غضبٌ هائل، حدّقتُ من خلال زجاج النافذة، جميلٌ هذا ، الملعون يتبختر على السور، متباهياً حتماً بريشه الأسود وصوته المدوّي، فَتحتُ الباب بسرعة والتقتْ نظراتنا، اللعين أبتلع صوته، لكنه أخذ َيترقّبْ حركتي المقبلة! لم يكن ثمة جدوى من البحث عن الحصى، فالأرض تلمع كالعادة، فجأة خَطرتْ في بالي فكرة، أستدرتُ مسرعاً، كان ثمة بقايا من طعام الغداء، لنرى! سأجرّب حظي. بعثرتُ مخلوط الأرز ومرقة السبانخ، حتى أنني نثَرتُ بعضاً من أعواد المعدنوس ، تحاشيتُ النظر للديك، كنت أعلم أنه يراقبني! أستدرتُ منصرفاً لكني رميته بنظرة جانبية، السافل إنه لم يتحرك عن موقعه حتى. خبأتُ نفسي خلف الباب، كان غضبي قد تجاوزَ حدّه، رحتُ أقرض شفاهي بأسناني، كان بأستطاعتي من مكاني رؤية بعضاً من ريشه، شَعرتُ أخيراً بأنه قد قفز عن السور ، كتمتُ أنفاسي، ورحتُ أحدّق من ثقب الباب، الأحمق ظنَّ بأني قد تركت له وليمة! أنه يدور حولَ بقايا الطعام ويحدّق بكبرياء لحباّتْ الأرز، أخذ قلبي يدقُّ بعنف، مَددتُ رأسي بحذر، كان ريشه الأحمر يلمع تحت أشعة الشمس، قَفزتُ بأسرع من لمح البصر، أختضَْ الديك في مكانه،وارتبكتْ حركة ساقيه، تناثرَ بعضاً من ريشه وهو يحاول الخلاص من قبضتي التي اشتدّتْ عليه، كان بوسعي الشعور بحرارة جلده ، حاول الإفلات، لكن صوته الذي أزعجني عشرات المرات أختنق فجأة في عنقه المنتفخ! جَريتُ نحو الباب المفتوح، أغلقته بقدمي ،رحت أحدّق في الديك الذي أصبح الآن بلا حول ولاقوة! كنتُ كمنْ عثرَ على كنز أخيراً، أخذتُ أجري داخل الغرف وفي المطبخ دون هدف، لقد شلَّ القبض على الديك كل تفكيري، راحتْ عيناي تبحثان عن هدفهما، أخيراً هاهي ذي، إنها تلمع، سأذبحك بها، هكذا هتفتُ به وأنا أضحك مثل مجنون! قبل أن تمتدُّ يدي للسكين ذات القبضة السوداء ،رنَّ جرس الباب، أخذت عيناي تدوران في محجريهما، من ياترى!؟إنها ليست زوجتي فهي عند ذويها منذ الصباح ولن تعود قبل يوم غد، حدقّتُ في رأس الديك المتدلّي، تباً لك، أين أخبئك يا ترى؟ اشتدَّ رنين الجرس، هَرولتُ وأنا أحمل الديك، جميل وهذه مفاجأة أخرى ، أنه جاري! راحَ يرددُّ النظر بيني وبين الديك، لم ينبس بحرف، مدَّ ذراعه المفتولة نحوي وأفردَ أصابعه، وضعتُ الديك بين يديه مع شبح أبتسامة من فمي المرتجف، أخذ يتفحصه بعناية، قال وهو يستدير منصرفاً :
-حسناً فعلت بأمساكه، فهذا المدلّلْ لايغيبُ عن انظارنا، نعتبره فرداً من العائلة. أختفى جاري الضخم ومعه الديك اللعين، بقيت في مكاني حائراً ،لكن ليس لوقت طويل، كان النعاس يكاد يقتلني، هَززتُ كتفي ودخلتُ مسرعاً، أخذتُ أبحثُ بنشاط وأنا أفكّر بأن هذا سيكون الحل الوحيد، وجدتُ القطن أخيراً، دسسته في أذني اليمنى ثم اليسرى، شعرتُ بالرضا، رميتُ بجسدي الُمنهك على الأريكة، أخفيتُ وجهي بالوسادة، ثم رحتُ أفكّر بأحدث الطرق للتخلص من جاري!!(تمت)
بقلم /رعد الإمارة /العراق
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق