حلم في تاريخ منسي
رايت العالم تمايزت الاشياء أمام ناظريّ
ساحة كبيرة وغرف ووجوه ...
اندفعت أمشي وتوغلت في الساحة يستنهضني حب الاطلاع
فسقطت في الارض وصرخت الى ان هرع اليّ ذلك الوجه الباسم الحنون فقبّلني بحرارة وأدخلني الغرفة حيث الدفء
فنزع عنّي ثيابا ملطخة بالطين والبسني ثيابا نظيفة
وراح يترنم بكلمات غير مفهومة حتى نمت
وبعد إكتشفت ذلك الوجه ، فكان وجه امي . أما الساحة فهي ساحة منزلنا الكبير ...
والغرف هي غرف أعمامي وغرفتنا ...
كنا نتساكن في امان ، نأكل طعاما واحدا وتجمع بيننا أرض وزياتين واسطبل ورجل عجوز هو جدي ...
وكان وجه ابي قليل الظهور ، أراه مرة واحدة في النهار . وفي الليل انام باكرا ، ويجيء أحيانا قبل ان يأخذني النعاس فألاعبه قليلا والتصق بصدره لاسمع دقات قلبه ...
كان قليل الكلام والضحك ... يضربني لاتفه الاسباب ... وعندما أحتمي بصدر امي ينظر اليّ باستهزاء . ومع ذلك أحبه لانه يأتني كل يوم اثر عودته من العمل يخبئ في طربوش قشابيته حلوى زقوقو وحمص و النوقا
ويحدثني أحيانا حديث الرجال
كانت صورته على الجدار ترمقني وأرمقها باستمرار ...
واكتشفت تدريجيا أبناء عمي والساحة
توغلت فيها طولا وعرضا وفي أقصاها أمام غرفة
جدي أنظر إليه وهو يأكل بنهم كبير ، فيشير إليّ بيده كي ادخل الغرفة .... أجالسه فيناولني ثمرات لذيذة الطعم وقطع من خبز الطابونة ... واكتشفت الحقل .... و اذكر
موسم الزيتون ... نتجمّع في الصباح الباكر ، ويفوح المكان برائحة الطعام المطهي ... ويقود جدي الركب في اتجاه الحقل وهو على حماره .... وفي الحقل نشتغل طيلة اليوم بالجني . وتتنقل زوجة جدي كعادتها بين النساء ، تكيل الشتائم ، فتدمع أعين وتضحك أخرى شماتة ... أعلموني يوما وانا العب أمام منزلنا أن جدي قد مات ... كنت لا أعرف الموت مما جعلني أقفز فرحا ... تصورت أنه سافر الى مكان بعيد لا يمكن لاي طفل صغير في منطقتنا أن يسافر اليه ، وسيعود يوما ومعه هدايا كثيرة .
وهرمت الارض من بعده ، ودبّ الشقاق بين الاخوة ، والتجأ اكثرهم الى العمل بعيدا تحت شركات الدولة وما تسمى بمسمار في حائط
وأقيمت الجدران ، وإختفت تلك الساحة الكبيرة رحلت مع جدي الى حيث لا أعلم ....
وانتشر ذات يوما ذلك الخبر الاليم : قرّروا تجميع الاراضي للمدينة لاننا بأحوازها وان لم يرضى اهلي سيكون الانتزاع بقوة السلطة
كانت عمّتي الارمل تبكي بمرارة لانها فقدت مورد رزقها
وامرأة جدّي عبرت عن موقفها بكلام بذيء ... مع انها ستكون المستفيدة الوحيدة
رأيت أيضا ضحكات للجيران البعيدة والمكرهة لجدي الذي يخافونه مع انه الوحيد الذي ليس له عرشا مثلهم
ياااه سيفرقون عليهم منازل جديدة صغيرة المساحة
فكانت صفارات الانذار ودقات طبول وهتاف والزغاريد والاعلام ودوي المحرّكات ... والعمدة والممثلون والدجالون والبعوض الآدمي وفي رأسي ألاف المناظر والافعال ... بحر زاخر ... شجر الزيتون واللوز والتين الهندي والوجوه الضاحكة الباكية الصاخبة الهادئة الغضبى والساحة الكبيرة
وفضاء الهنشير
رحل المكان مع جدي وظهرت دوائر وخطوط صلبة وأخرى ملتوية تنتهي عند نقطة البدء وانا أسبح في الإمتلاء ، أبحث عن فضاء
وبيني والافق زقاق طويل .... طويل ...
محمد طه العمامي
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق