الثلاثاء، 15 ديسمبر 2020

قصة قصيرة تحت عنوان {{تلبّدت السّماء}} بقلم الكاتب القاصّ التونسي القدير الأستاذ{{حاتم بوبكر}}


تلبّدت السّماء، انهمر المطر. كنتَ تسمع القطرات تنزل كدبيب قطيع خيل يجري أو كقطيع غزلان تروّعها الذّئاب.  فجأة ظهرت الفوارس تشقّ صمت الغروب وسالت الينابيع القانية غشاوة حصون تهزّ صخب الأماني. سارت همسات في السّماء ونور في عالم كفيف أذاع الحقوق وحبسها عن أرضهم، جفّت الشّفاه وجاع الماعون ومشى الجوع ملكا والرّعية ترتجف.
صاح رفاق ياسين بصوت واحد:
- هويّتنا تفقأُ عيون عالمنا الكفيف وسَيرُنا ضجيج لآذانهم. إنّنا مستمرّون...مستمرّون... نترقّب صلاحا منّا أو فلاح الأمّة أو ذات الهمّة... ستفيض، ستفيض سيّدة الأرض وسينبُت نوى حبّ الزّيتون فيُعلن عن ميلاد أغنية الحياة وشقائق النُعمان وعرس الرّمّان وتعانُق الحُبّ والحبّ، المسير والعود.
حانت التفاتة من فالح فإذا الشمس مُشرقة إشراق عهد ووعد ولامعة لمعان عُيون شهد ومُتلألئة تلألؤ رسم رنا. نأى بنفسه بعيدا عن الجمع يتدبّر همّه، أدرك أنّه حُكم عليه بأن يكون حرّا أو ميّتا... تبيّن أنّ عليه ردّ أشكال العجز داخله والاختفاء بين النتوءات التي سكنت قلوب الرّجال والنّساء ـ في غير أرضه ـ. فجأة تنتابه رجفة غير أنّ رٙثْمٙة من المطر تُلامسه فيستعيد عافيته ويُواصل تمثّلاته... تبيّن أنّه يحمل بعضا من قضمة ازدردها آدم وعليه أن يبني طريقا يسري منه إلى السّماء وأنّ بداية الطّريق أرضه التي منها كان ـ لا ننسى أنّ الأرض التي سكنها فالح كانت قبضة من الجنّة ـ . أحسّ أنّ ما يقوله ليس إلاّ نُبوءة جدّته فاطمة التي حكتها له ذات يوم. كانت تقول إنّه سيُولد طفلا ليس ليّنا غضّا ولا صُلبا ينكسر، طفلا مثل عود زيتون إذا انكسر يستعيد عافيته وإذا أٙنّٙ يعود من الأنين قصّة تروي العطشى زيتا، كانت تبدو له حكاية الجدّة فاطمة أضغاث أحلام أو هواجس ورغم ذلك كان يأخُذها مأخذ جِدّ...
أنصت إلى نداء الرّياح وهمس الأزهار فاشتعلت فيه الرغبة في كتابة وصية لابنه قال فيها:"اغسلني بماء أرضنا واجعل لي كفنا من تراب أرضنا وضع معي ملاحمي التي رسمتها رنا  وكتبها الشّعراء والقصّاصون والكوميديون. بُنيّ، لا تجعل لي لحدا فلن أُنْسٙى ولن أنسى، سأعرفكم وتعرفونني بوشمي، حين نُحشر سيأتيك وشمي نورا ويأتيني وشمك نورا فألتقيك، بُنيّ ربّما كنت تسأل عمّ سأتركه لك: سأترك لك معطفي البُنّيّ الذي صار أسود وامتلأت جيوبه بالأحزان وكُجّة سُرقت من الجدّة فاطمة، هي خير من ألماسة فاسترجعها .
حاتم بوبكر

تونس. 

ليست هناك تعليقات: