عباس حسن – مصر -- الإسماعيلية
الشيخ جودة [قصة قصيرة]
كان متوسط الطول، قمحي البشرة، لحيته بيضاء طويلة، يضع على
رأسه طربوش ملون من الأحمر والأزرق والأخضر، ملفوف حوله عمامة بيضاء، يضع حول رقبته منديل أخضر ومجموعة من السّبح مختلفة الألوان، بعضها من الخرز وبعضها من الكهرمان، يرتدي جلباب داكن اللون، له جيبان من اليمين واليسار، الجيب الأيمن يحتوي على علبة النشوق {السعوط} ومنديل محلاوي متوسط الحجم، الجيب الأيسر يحتوي على بعض الكرملة والعسلية.
إذا تكلم سال لعابه على لحيته أثناء الكلام، لسانه ثقيل، لا تكاد تفهم معظم كلامه، هادئ الطباع، ملامحه بريئة، باسم دائماً، يحييك باسمك قائلا: عم {فلان} سواء كنت صغيرا أم كبيراً، فقد كان يحفظ أسماء أهل
القرية.
كانت الناس تلتمس فيه البركة، وتطلب منه الدعاء، وتكرمه بالطعام والشراب، كان حنوناً، يحب الأطفال ويداعبهم، يعطيهم الحلوى ويقبّل
أَيادِيهم ويتمْتمْ بكلمات دعاء غير مفهومة، يبتسم له الناس ويفرحون لقدومه، يبادلونه الأحاديث، ويتفهمون تعتعته في الكلام.
فهد ـ كان شاباً قوياً، طيب القلب، مسالم جداً، كلما رأى الشيخ جودة
احتضنه وقبله بين عينيه وطلب منه الدعاء والتوفيق، يرفع الشيخ يداه الى السماء ويتمتم بكلمات دعاء، ينشرح قلب فهد ويمضي الى سبيله.
ذات يوم رأى فهد في منامه فرساً هائجاً، الناس تجرى أمامه في ذعر، لم يستطع أحد من الناس السيطرة عليه، الفرس يَصْهل بصوتٍ عال، يجرى غاضباً تجاه الشيخ جودة، ثم يجذب طربوش الشيخ، يرميه أرضاً، الشيخ يشير بيده الى السماء، ثم ينظر إلى فهد، يصحو فهد من النوم مذعوراً.
يتمتم قائلا: خيراً، اللهم اجعله خيراً إن شاء الله، لابد أن أسأل الشيخ عن هذا الحلم.
في ظهر نفس اليوم، استوقف أحد الأشقياء الشيخ، أمسك بتلابيب
الشيخ وصاح به، أخرج النقود التي معك، أخذ الشيخ يضحك ويتعتع
بكلام غير مفهوم، جذب الشقي طربوش الشيخ ورماه أرضاً، وصرخ
فيه: أخرج النقود التي معك، بكى الشيخ، تلفت يميناً ويساراً، رأى فهد قادماً نظر إليه نظرة استغاثه، بسرعه هجم فهد على الشّقي، لكمه لكمةً
قوية أطاحت به، حمل الطربوش من على الأرض، وضعه على رأس الشيخ، قبل الشيخ بين عينيه، وردد في نفسه قائلا:
{هذا تأويل رؤياي من قبل}.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق