عباس حسن – مصر -- الإسماعيلية
زقاق سكلا
كان الزقاق يقع بين بنائين يطلان على الشارع الرئيسي، الزقاق مهجور دائما، لا يدخله أحد من الناس، الأهالي يخافون منه، يحذرون أطفالهم من اللعب فيه، بحجة أنّه مسكون بالعفاريت.
الشارع الرئيسي يطل على خط السكك الحديدية، لا يوجد فيه سوى دكان بقالة صغير، يضئ بلمبة جاز فترة المساء، ينبعث نورها خافتأً خارج الدكان، هو النور الوحيد في الشارع ليلاً، معظم الناس ينامون بعد صلاة العشاء.
في بيتنا كان يوجد جهاز راديو، مركب له ايريال فوق سطح المنزل، يعمل على بطاريات صناعة يدوية، تعمل لمدة أسبوع ثم يعاد تجميعها من جديد عند الحاجة.
في الخميس الأول من كل إسبوع يقام حفل سيدة الغناء العربي السيدة أم كلثوم، كان يستعد له السميعة، الشاي والقهوة، اللب والفول السوداني، اليوسفي، والنارجيلة [الشيشة] وتجهيز بطاريات الراديو.
صادفت ليلة الخميس الأول من الشهر ليلة غير مقمرة من ليالي الشتاء شديد البرودة، السهرة كانت في المندرة ـ في بيتنا ـ حضر
أصدقاء أبي، أوقدوا النار للتدفئة وعمل الشاي والقهوة، وتدخين الشيشة.
كنت في الثامنة من عمري، أصر أبي أن أجلس معهم لأستمع
للسيدة أم كلثوم، بعد منتصف الليل والكل منتشي بغناء السيدة أم كلثوم
انتهى الشاي والفحم، طلبوا مني الذهاب لمحل البقالة لشراء اللازم، تعللت بالبرد، رد أبي أنت خائف من الزقاق، لا تخف كن رجلا، هيا بسرعة، دثروني بمعطف أسود ثقيل، انصرفت.
محل البقالة كان يسهر في تلك الليلة فقط، لأنها ليلة استثنائية، توجهت لمحل البقالة، الطقس شديد البرودة، الظلام دامس، أتحسس طريقي بصعوبة، اقتربت من الزقاق وكلي خوف، فجأة ظهرت لي عينان، تبرقان في وجهي كل الألوان، تسمرت مكاني، فتت الرعب مفاصلي، سرت في جسدي رعشة شديدة، صَاحَبَ هذا البريق صوت زمجرةٍ غريب.
تجمدت مكاني، العينان تقتربان مني رويداً رويداً، والزمجرة تعلوا الخوف يتملكني أكثر فأكثر.
فجأة سمعت باب عائلة سكلا المجاور للزقاق يفتح، نور خافت من البيت تسلط على دثاري الأسود، أحدهم صاح قائلاً: من؟ من هناك؟ لم أنطق من شدة خوفي، فالعينان ترقباني، سمعت أحدهم يصرخ قائلا العفريت واقف ـ العفريت واقف أمام البيت، ثم أغلق الباب مسرعاً.
بعد قليل سمعت أقدام تقترب من خلفي، تخشبت من الخوف، صرت
كلوحٍ من الثلج، القادم من خلفي خطاه بطيئة، سلط على ضوء كشاف كان بيده، سمعته يردد بسم الله، مين ... بسم الله، مين الواقف هناك؟ التفت اليه، رأى وجهي، مترددا أقبل على قائلا: لا تخف لا تخف يا بني، أشرت إليه بإصبعي نحو العينين رآهما، انتابه الفزع، سلط عليهما ضوء الكشاف، فرت العينين هرباً، ربت على كتفي قائلا لا تخف إنه كلبٌ أسود، اصطحبني الى محل البقالة، ثم أوصلني الى المنزل.
ذهبت الى سريري، تتملكني رعشة شديدة، أصابتني الحمى، بعد أسبوع تماثلت للشفاء، حكت لي أمي قصة العفريت الذي ظهر لعائلة
سكلا، ضحكت ، وقلت لها لا يا أمي إنه كلبٌ أسود.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق