الثلاثاء، 5 يناير 2021

قصة قصيرة تحت عنوان {{صوت الريح}} بقلم الكاتب القاصّ العراقي القدير الأستاذ{{أحمد جبار الجوراني}}



قصة قصيرة

صوت الريح


لا صوت يسمع هنا غير أنين وصوت متعب أرهقه البكاء ، قادم من خلف غرف صغيرة جدآ لا يمكن الجلوس فيها أبدآ حيث هي مخصصة للنوم الأبدي ، إنها تدعى القبور . 

عند المساء رحل الجميع وكلا عاد من حيث أتى ، المعزين والفاقدين الأهل والأحبة ، عم الصمت والسكون مجددآ لهذه البقعة من الأرض . 

وصلت متأخرآ عند المساء ، قرأت شيئ من الآيات والأدعية للأموات ، فكرت بالعودة الى مركز المدينة لتناول العشاء والعودة لمنزلي الذي يبعد مسافة طويلة عن هذه المدافن . 

توجهت لسيارتي قمت بتشغيلها وإذا بمحرك السيارة لا يدور ، رفعت غطاء المحرك وأخرجت تورج أنارة يدوي لأتمكن من متابعة وصلات الأسلاك الكهربائية ومستوى شحن النضيدة او لعلي أعثر على سبب عدم دوران المحرك . 

مرت ساعة تقريبآ دون جدوى ولم أتمكن من العثور على سبب واضح للعطل ومكانه . 


تركت السيارة في المكان وتوجهت بأتجاه مخرج المقبرة الرئيسي لعلي أجد أحدهم ليحضر ويساعدني في تشغيلها . 

عدت بعد ساعة تقريبآ ولم أجد أحدآ يساعدني . 

قررت هنا الأتصال على أحد معارفي وأعلمته بمكاني وتعطل السيارة ، وعدني بأنه سوف يحضر ومعه ميكانيكي بأسرع وقت ممكن .


جلست في السيارة قليلآ ، وإذا بالسيارة تهتز وكأن مكان الضغط عليها وجعلها تهتز هو من الخلف . 

تمالكت نفسي لعلي متعب وتهيئ لي ذلك . 

بعد دقائق قليلة وإذا بالحالة تتكرر . 

كذلك فكرت مرة أخرى وأستجمعت قواي وتشجعت ، نزلت من السيارة وأخرجت معي قنينة ماء لأغسل وجهي ، وأذا بصوت خافت غريب النبرة لم أسمعه من قبل يقول لي :

سيارتك تعمل وهي بحالة جيدة ، وصديقك الذي وعدك بأحضار الميكانيكي سوف لن يحضر لأنه مات مقتولآ في باب داره أثناء خروجه من بيته على يد جاره بسبب مشاجرة حصلت بينهم مساء هذا اليوم .

لم أسمع بعدها شيئ غير صوت أزيز الحشرات الليلية وبعض أصوات نباح كلاب بعيدة عني . 

سكون وصمت مخيف فعلآ يعم المكان ، لا حياة هنا ولا ضجيج ، وحشة وأنقباض نفسي . 


أنتابني رعب وخوف شديد هذه المرة ولم أصدق ما سمعت أخذتني الدهشة ماهذا الصوت الخافت ماهذه المعلومة التي سمعت ، كيف علم صاحب الصوت هذا بأني أتصلت كيف علم أصلآ أن ميكانيكي سيحضر ، كل هذا وكيف علم بمقتل صديقي والمشاجرة مع جاره ، أخذت رأسي تدور غير مصدق بما سمعت وكيف وكيف وكيف شغلتني عن الصعود لسيارتي وتشغيلها . 


لا أعرف متى صعدت السيارة ومتى شغلتها وكيف سرت مسرعآ وخرجت من بوابة المقبرة الى الشارع الرئيسي المؤدي الى مركز المدينة . 

ركنت السيارة على جانب الطريق حيث وجدت أستراحة وفيها خدمات ، نزلت من السيارة قلق وأرتجف ، غسلت رأسي ووجهي ويدي ، شربت كوب من الشاي ، هدأت قليلآ ، أشعلت سيكارة . 

قمت بالأتصال على أحد أخوتي لأستفسر منه عن مصير صديقي حيث أنه وعدني بأحضار ميكانيكي لغرض أصلاح سيارتي ، هنا كانت الكارثة الكبيرة ، حيث أخبرني أخي بالقصة الكاملة والأسباب والوقت وكيف قتل صديقي الذي هو جارنا في نفس المنطقة على يد جاره المتشاجر معه عند مساء هذا اليوم . 

نفس الحقائق ونفس الأوصاف والكلام الذي سمعته من ذلك الصوت المجهول في المقبرة .

أخبرت أخي بأني قريب على المقبرة وعرفته بمكان الأستراحة على الطريق العام فعرفها ، وأني منتظر هنا لأستقبال صديقي والمشاركة في مراسم الدفن . 

قبل منتصف النهار وصل جثمان صديقي الى المقبرة ، تم تغسيله والصلاة عليه ودفنه ، الغريب في الأمر إن مكان الدفن صار تحديدآ في مكان عطل سيارتي أثناء المساء ليلة أمس والأغرب من هذا كله هو نفس الوقت الذي قتل فيه ، عرفت الوقت من خلال سماعي لتفاصيل الحادث المؤلم .

العبرة من هذا إن الإنسان لا يعلم قدره وماذا يخبئ له وأين يموت ، ليعلم الإنسان إنه مخلوق ولابد له أن يحمل الى قبره وليستعد لذلك في أي لحظة من لحظات حياته . 

ليست هناك تعليقات: