قصة قصيرة
صوت الريح
لا صوت يسمع هنا غير أنين وصوت متعب أرهقه البكاء ، قادم من خلف غرف صغيرة جدآ لا يمكن الجلوس فيها أبدآ حيث هي مخصصة للنوم الأبدي ، إنها تدعى القبور .
عند المساء رحل الجميع وكلا عاد من حيث أتى ، المعزين والفاقدين الأهل والأحبة ، عم الصمت والسكون مجددآ لهذه البقعة من الأرض .
وصلت متأخرآ عند المساء ، قرأت شيئ من الآيات والأدعية للأموات ، فكرت بالعودة الى مركز المدينة لتناول العشاء والعودة لمنزلي الذي يبعد مسافة طويلة عن هذه المدافن .
توجهت لسيارتي قمت بتشغيلها وإذا بمحرك السيارة لا يدور ، رفعت غطاء المحرك وأخرجت تورج أنارة يدوي لأتمكن من متابعة وصلات الأسلاك الكهربائية ومستوى شحن النضيدة او لعلي أعثر على سبب عدم دوران المحرك .
مرت ساعة تقريبآ دون جدوى ولم أتمكن من العثور على سبب واضح للعطل ومكانه .
تركت السيارة في المكان وتوجهت بأتجاه مخرج المقبرة الرئيسي لعلي أجد أحدهم ليحضر ويساعدني في تشغيلها .
عدت بعد ساعة تقريبآ ولم أجد أحدآ يساعدني .
قررت هنا الأتصال على أحد معارفي وأعلمته بمكاني وتعطل السيارة ، وعدني بأنه سوف يحضر ومعه ميكانيكي بأسرع وقت ممكن .
جلست في السيارة قليلآ ، وإذا بالسيارة تهتز وكأن مكان الضغط عليها وجعلها تهتز هو من الخلف .
تمالكت نفسي لعلي متعب وتهيئ لي ذلك .
بعد دقائق قليلة وإذا بالحالة تتكرر .
كذلك فكرت مرة أخرى وأستجمعت قواي وتشجعت ، نزلت من السيارة وأخرجت معي قنينة ماء لأغسل وجهي ، وأذا بصوت خافت غريب النبرة لم أسمعه من قبل يقول لي :
سيارتك تعمل وهي بحالة جيدة ، وصديقك الذي وعدك بأحضار الميكانيكي سوف لن يحضر لأنه مات مقتولآ في باب داره أثناء خروجه من بيته على يد جاره بسبب مشاجرة حصلت بينهم مساء هذا اليوم .
لم أسمع بعدها شيئ غير صوت أزيز الحشرات الليلية وبعض أصوات نباح كلاب بعيدة عني .
سكون وصمت مخيف فعلآ يعم المكان ، لا حياة هنا ولا ضجيج ، وحشة وأنقباض نفسي .
أنتابني رعب وخوف شديد هذه المرة ولم أصدق ما سمعت أخذتني الدهشة ماهذا الصوت الخافت ماهذه المعلومة التي سمعت ، كيف علم صاحب الصوت هذا بأني أتصلت كيف علم أصلآ أن ميكانيكي سيحضر ، كل هذا وكيف علم بمقتل صديقي والمشاجرة مع جاره ، أخذت رأسي تدور غير مصدق بما سمعت وكيف وكيف وكيف شغلتني عن الصعود لسيارتي وتشغيلها .
لا أعرف متى صعدت السيارة ومتى شغلتها وكيف سرت مسرعآ وخرجت من بوابة المقبرة الى الشارع الرئيسي المؤدي الى مركز المدينة .
ركنت السيارة على جانب الطريق حيث وجدت أستراحة وفيها خدمات ، نزلت من السيارة قلق وأرتجف ، غسلت رأسي ووجهي ويدي ، شربت كوب من الشاي ، هدأت قليلآ ، أشعلت سيكارة .
قمت بالأتصال على أحد أخوتي لأستفسر منه عن مصير صديقي حيث أنه وعدني بأحضار ميكانيكي لغرض أصلاح سيارتي ، هنا كانت الكارثة الكبيرة ، حيث أخبرني أخي بالقصة الكاملة والأسباب والوقت وكيف قتل صديقي الذي هو جارنا في نفس المنطقة على يد جاره المتشاجر معه عند مساء هذا اليوم .
نفس الحقائق ونفس الأوصاف والكلام الذي سمعته من ذلك الصوت المجهول في المقبرة .
أخبرت أخي بأني قريب على المقبرة وعرفته بمكان الأستراحة على الطريق العام فعرفها ، وأني منتظر هنا لأستقبال صديقي والمشاركة في مراسم الدفن .
قبل منتصف النهار وصل جثمان صديقي الى المقبرة ، تم تغسيله والصلاة عليه ودفنه ، الغريب في الأمر إن مكان الدفن صار تحديدآ في مكان عطل سيارتي أثناء المساء ليلة أمس والأغرب من هذا كله هو نفس الوقت الذي قتل فيه ، عرفت الوقت من خلال سماعي لتفاصيل الحادث المؤلم .
العبرة من هذا إن الإنسان لا يعلم قدره وماذا يخبئ له وأين يموت ، ليعلم الإنسان إنه مخلوق ولابد له أن يحمل الى قبره وليستعد لذلك في أي لحظة من لحظات حياته .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق