ويبقى الأمل
........
عندما يجور القدر،عتمٌ يسدل ستاره على ماتبقَّى من أمل،إعصارٌ يلوح في الأُّفق،ريحٌ صرصرٌ تبعثر أحلام الغَّد المنتظر،نكسةٌ في هيئة ربيعٍ منتظر،بدَّل الملامح واستباح القِّيم.
في منزلها الذي تهاوت أعمدته باتت في خطر،دخيلٌ احتجزها واهتزَّ الوتد،في غرفةٍ مع ذكرياتها باتت الفتاة تنتظر.
وقفت الفتاة المسكينة تتأمل حالها،تكوَّر العالم في عينيها حتى بدت الغرفة تحمل ملامح الكون كله واختزلت فيها كل معالم الحياة. اليأس والألم ، السعادة والأمل .
يأسٌ خيَّم وحطَّ ظلاله في كل أركان الغرفة وألمٌ ينخر في الرُّوح ويستبيح المشاعر في لحظة تساوت فيها كل الأماني،الحلم فيها يُحتضر.
وسعادةٌ كأنها نهر محبةٍ فاض في ربيعٍ منتظر،ملأ الحنايا زهوراً ورحيقاً وأثر.
وأملاً بغدٍ مشرق اخترقت أنواره الغَّيم في ساعات السَّحر.
تذكرت يوم كانت في عمر الزَّهر
تلاحق الفراشات بين الورود وعلى أغصان الشجر وأكبر أمانيها أن تحظى بواحدةٍ تكن رفيقتها في الحياة،تتباها بها وتحلق معها في الربوع وتحت ضوء القمر.
تلك الغرفة غدت صندوق أحلامٍ وذكرياتٍ وصور،على جدرانها غفت أماني وتلألأت نجومٌ والبدر اكتمل.
لفت انتباهها جملةٌ نقشتها على الطاولة الخشبية منذ الصِّغر
تقول فيها:
ماأصعب العيش لولا فسحة الأمل
تناولت ذاك الكرسيَّ الصامت وكأنها قرات في صمته صرخةً تناديها تقول لها:
إن النجاة بالفعل والعمل،بالمحاولة وإن كان الفشل،بالإرادة وصنع القدر.
صعدت بخطىً ثابتة وأدركت الفتحة والنُّور المنتظر.
في تلك اللحظة الفاصلة،حيث الأماني والحلم يُختزل،في فوضى المشاعر وضجيج الرُّوح المُّستعر،أحسَّت بخطىً خفيّة وأنفاسٍ تقترب.
فجأةً يفتح باب الغرفة وإذ بخيالٍ يحجب الباب وأنفاسٍ تملأ فراغات الغرفة وكأنه إعصارٌ ينتظر.
تقدَّم نحوها خطوتين وإذ شبحٌ في هيئة رجل،قامةٌ طويلة كالحَّور وربما أقل، أكتافٌ كأنها سدٌّ في حضن الجبل،ذراعان كالأشرعة في عرض البحر،رأسٌ كبيرٌ كأنَّ فيه قد حِيكت كل الحروب ضدَّ البَّشر،شعرٌ طويلٌ يلامس الأكتاف منسدلٌ كموج البحر،وقبَّعةٌ من عهد لينين تخفي تحتها مكائد وأهوالٍ قد أنهكت العقول وعاندت القدر، وعينان جاحظتان كأنهما مغارتين غامضتين فيهما تُغتال الأماني وتُحتضر،أنفه فيه اعوجاجٌ كضمائر بعض القادة في حضرة الملك المحترم،وأما الفّم فكبيرٌ يخفي في جعبته أقاويل وصور وأسنانه كالذِّئب تنظر ساعة الصِّفر،أسمرٌ هو إلى السواد مائلٌ من ظلم البشر.
تقدَّم نحوها وهي تحاول الهرب،قال لها أين المفرُّ من ويلات القدر،أنا الحاضر وأنا مقبرة الأمل.
أعادها إلى الكرسيِّ وقيّدها مما جعلها تعيد النَّظر.
خيَّم الصَّمت عليها والدَّمع بلَّل مقلتيها وأفرغت المآقي أثقالها وزال الكّدر.
تذكَّرت كيف كانت وكيف آلت الأحوال وجَارَ القدر.
يتيمةً عاشت بعدما سلبها الربيع والديها بلمح البَّصر،كلما تذكرت ذاك المَّشهد المُّريع في ساحة المدينة،حيث اهتزَّت الأركان من وقع انفجارٍ نال من السكون وغيَّر ملامح القدر.
تساءلت في قرارة نفسها....
من المسؤول وماذنب البَّشر....؟!
جثثٌ ورُكام ودمٌ بلَّل الأرصفة وأغرق القِّيم،أشلاءٌ متناثرة هنا وهناك،أمٌّ تحمي رضيعها بضمَّةٍ من صدرها لعلَّه يبقى شاهداً للعّصر،بكاءٌ ونواح ودموعٌ تنهمر،تحت الرُّكام صرخةٌ تدوي لشيخٍ يُحتضر.
لم يفارقها ذاك المنظر أبداً،عندما أبصرت والدها يعانق أمَّها عناق الرُّوح للجسد،لم تحظى منهم بوداعٍ أو حتى عتب.
انهمرت دموعها كسيلٍ تدفَّق لايمنعه سدٌّ أو يوقفه أحد.
في تلك الفوضى وذلك الصَّخب استوقفها حال طفلٍ تاه عن أمِّه حتى وجدها مرميَّةً على قارعة الطريق فظنَّها تلاعبه وتمثِّل عليه كعادتها دوراً من قصصٍ روتها له من قبل،اختلطت في وجهه الإبتسامة بالغضب،فتارةً يبكي وتارةً يضحك وينادي وجدتكِ ياأمي فلمَ السكون،انهضي لنعاود اللّعب،يُقلبها يميناً وشمالاً ولكن لاحياة تنبض فيها وقد نال منها البرود واختارها المَّلَك.
ودَّعت ذكرياتها وعادت لحالها تفكِّر من أين المفر.
تأمَّلت الرَّجل الضَّخم في صمتٍ ووجل،قالت له:
إنَّ الجبابرة وإن طغوا ففي أعماقهم طفلٌ ينتظر.
إن الجبابرة وإن تجمَّدت مشاعرهم لابدَّ من قبسٍ فيهم أو جمرةٍ كلما استيقظ الطِّفل تتوهَّج وتتَّقد.
الخير فيهم في غفوةٍ والشَّر يطغى وينتقم،وإن استفحل الشَّر لابدَّ للخير يوماً أن يصحو وينتصر.
أيُّها القائم عليَّ لن يدوم شرٌّ فالله المنتقم،لن تفيدك قوَّةٌ مادامت الرُّوح مُلكٌ للمقتدر.
انزع بذور الشَّر عنكَ،واسقي بذرة الخير بمحبةٍ فالطِّفل المقيم فيكَ ينتظر.
لست أنا من كفر،الكُّفر ياسيدي أن تبادل المحبة بحقدٍ،أن ترسم على الوجوه دمعةً وتنسف الأمل،أن تختار الظُّلم والعَّدل منتظر،فافعل ماشئت بيَّ إن لم تتَّعظ.
وكأنَّها محامي دفاع تترافع عن الظُّلم وعن كل من قُهر.
فجأةً تبدَّلت ملامح ذاك الرَّجل،ذاك السَّواد القاتم في وجهه تغيَّر وانحسر،تلك العيون الجاحظة تحرَّرت منها الأماني وأقام فيها الأمل،دمعةٌ سالت من مقلتيه أذابت الجليد ونبت الزَّهر.
قال لها:
ياابنتي قد صحى الطِّفل من غفوته وزال الخطر.
فكَّ قيدها وفتح باب الغرفة وقال لها:
افردي جناحيكِ للحرية والأمل.
.....
آزاد حمكي
25/1/2021
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق