قصة قصيرة : المساق الخطأ
كنت حينها أعشق الأميرة سمر، زميلتي في الصف، ابنة مدينة لعينة، ولم أجد فرصة لأصارحها بما يخالجني من مشاعر الحب الصادق.
انتظرت طويلا، إلى أن حظيت بتلك الفرصة التي اعتبرتها عيدا جديدا بالنسبة لي.
ذات يوم وأنا عائد إلى المنزل اللعين الذي كنت أقطن فيه وأستأجره بثمن بخس، ذلك المنزل الذي كلما تذكرته أسترجع ذكريات تعيسة، ومواقف تعيد نبش جرح دفين.
عن طريق الحظ؛ التقيت في طريقي أميرة أحلامي التي طالما حاولت التقرب منها، بل كنت أحاول خلق أسباب لأراها أو أحدثها وأسمع صوتها العذب. حاولت الحصول على رقم جوالها، أتذكر جيدا هذه اللحظة، صرت أتلعثم كأنني طفل صغير لا يجيد تركيب الحروف والكلمات. ما الذي يحصل معي ؟ لمَ لا تستقيم المعاني التي أحاول الإفصاح عنها ؟
بعد هنيهة أخذت نفسا عميقا، وحاولت أن أجد ما يجعلني أحصل على رقم هاتفها دون إبداء حبي لها، وهذا ما حصل.
طلبت رقمها قائلا : أيمكنني الحصول على رقمك الهاتفي لنتواصل معا ونناقش بعض المستجدات ؟ شعرت للحظة أنني فاشل في الحب.
نظرت إلي أميرتي بعينيها الواسعتين الساحرتين، قائلة، لابأس دون لديك...
أخيرا حصلت عليه؛ لكن بعد ارتباك وخجل وتلعثم وحيرة، والأكثر من ذلك تصببت عرقا كأنني في يوم من أيام فصل الصيف المشمسة.
فرحت كثيرا، ولم أفرح في حياتي بما كنت أحققه من أحلام مثلما فرحت ذلك اليوم.
دخلت المنزل، وضعت محفظتي فوق طاولة خشبية قديمة أوصاني صاحب المنزل بالحفاظ عليها، وكأنها صالحة لشيء ! لذلك وضعت فوقها لحافا مهترئا يخفي بعض عيوبها ويبدي الكثير منها.
لم أقترب من الطعام قط، أفكر فيها، فيمَ سأحدثها ؟ كيف أكسب قلبها ؟ فتحت تطبيقا للتواصل الاجتماعي على هاتفي بصعوبة، لأنه قديم الصنع وذاكرته لا تستوعب حجم البرامج الحديثة. لكن في سبيل الحب كل شيء يصبح ممكنا.
دونت رقمها على هاتفي باسم "أميرتي" ... ها أنا أتواصل مع حلمي، كل حرف أكتبه أعيد قراءته مرات ومرات كي لا أخسرها قبل إفصاح حبي لها.
كانت في أول الأمر تستغرق وقتا طويلا لتجيب على رسائلي، وكأنها تتجاهلني أو تريد أن تبعدني عنها.
وبعد مرور حوالي ثلاثة أسابيع قررت أن أحدثها عن الحب والمشاعر، وهذا ما حصل...وتجاوبت معي بشكل رائع، وأبانت عن رقة مشاعرها، وحلاوة تعابيرها.
نعم، انتقيت أفضل الكلمات، وسبكتها في أجمل حلة، كي أعبر لها عن حبي، وأعظم مقامها في قلبي...يوما بعد يوم صرنا نقترب من بعضنا البعض، ونرسم معا حلما جميلا، ومستقبلا سعيدا زاهرا مليئا بالفرحة والسرور.
كباقي العلاقات واجعتنا جملة من المشاكل، نتشاجر ونهجر بعضنا ليوم أو يومين، ثم نعود بعد ذلك لنوضح الأمور بطريقة ما. قد نعتذر من بعضنا البعض أو نستمر في الحديث كأن شيئا لم يكن.
بعد مرور وقت ليس بالهين على علاقتنا... وفي الآونة الأخيرة كثرت المشاكل بيننا، وشعرت أن أميرتي تبتعد وأصبحت تناديني باسمي على غير العادة... بادلتها بالمثل. حاولت تجنب الحديث معها وتجاهلها كما تفعل تماما... وآخر شيء أتذكره في هذه اللحظة أنها طلبت مني أن أنساها.
وهذا ما حصل...
مرت الأيام، والأسابيع... لم أحدثها، او حتى أسأل عن أحوالها. معظم زملائي فرحوا بخبر انفصالي عن أميرتي، وتهافتوا للتقرب منها، وسم صورة بشعة لشخصي كي يقدموها لها في حلة متكاملة. استمر الحال على ما هو عليه، وصرت أصادفها مع صديقي الذي طالما ساعدته في عدة مناسبات، ولم أتوقع أنه قد يكون محبوبها الجديد.
الناس قولب تحجب حقيقتهم أقنعة بريئة بخسة الثمن.
لم أعد أحتمل المشي على تربة تدوسها أقدامهم اللعينة، لذا سافرت بعيدا حيث أحد حياة جديدة، تركت هنالك ذكريات تعيسة، ومشاعر حب ضائعة، وأنفاس حزينة. تركت كل شيء كي أعيش بسلام.
خمس سنوات في البادية جعلتني أسترجع بسمتي، وأبدع في فن تجاهل العلاقات...وعدت من جديد إلى بقعة الحب الأول، لكن هذه المرة كي أتحسر عليها.
رحت أتجول في أرجاء شوارع المدينة اللعينة، حيث الدعارة في أحدث غلاف، والخيانة في أبهى صورة. صادفت التي عشقتها في ركن من أركان حي قرب باب منزل قديم بعيد عن مركز المدينة، كانت منكمشة بدت عليها قسمات الندم والألم... لم أتحمل المشهد، رغم كل شيء صدر منها في حقي، وانصرفت بسرعة من حيث أتيت.
سألت عنها شيخا يعرف كل صغيرة وكبيرة تقع في هذه المدينة القذرة بحكم عمله طوال الوقت في دكان صغير وسط الحي التافه، سألته عن أحولها، وكانت الإجابة صادمة...
لقد تزوجت بصديقي الغني، رغبة في المال وحياة الرفاهية، لكن سرعان ما تحولت مخططاتها رأساوعلى عقب. راقصها الزمن، وغنى لها القدر.
صديقي هذا كان يدعي أنه من عائلة غنية، وأن معظم أسرته تعيش في ديار الغربة، وأنه الوحيد من إخوته الذي أصر على البقاء في الوطن إلى جانب جدته.
لكن بعد وصوله إلى هدفه، وإقناع فريسته، أنها ستعيش حياة مثالية، وأن حبي لها لن يدوم في ظل شبح الفقر الذي أعيش فيه. استدرجها وقام بتخدير عقلها العقيم بأفكاره الشيطانية بكل سلاسة، وبلغ ما كان يصبو له.
ليس هناك وقت للبكاء، كل شيء هب مهب الريح...
تزوجت به طمعا في الثروة، إلا أن الحقيقة التي كان يخفيها عن الجميع ولم يفصح عنها إلا بعد زواجه بها، ستجعلها تفقد صوابها كليا. فهو لا يملك فلسا واحدا. وما كان يتباهى به يعود لزميله الذي كان يساعده في إنجاح هذه العلاقة بأي ثمن.
وما بني على باطل فهو باطل حتما...
ها هي اليوم مشدوهة تبكي ليلا وزقزقة بطنها تؤلمها، في غرفتها المتسخة التي يكاد الذباب فيها يختنق... حسب قول الشيخ.
التجربة تعلمنا أن الخطأ سبيل للوصول إلى الصواب، لكن لا مجال لتطبيق التجربة في الحب، وترك من نحب من أجل المال.
مصطفى انفد / المغرب
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق