قصة قصيرة بقلم الكاتبة *أحلام محمد الملحم
(ذكريات لن تعود )
تعالت أصوات منبهي الصغير،المركون بجانب وسادتي،المضبوط مسبقا على الساعة السادسة صباحا...
لأستيقظ من نومي على صوت زقزقة عصافير حديقتنا ،والفراشات الملونة كألوان قوس قزح تتراقص بين وردة وأخرى..
ما أجمله من صباح ،أفتح به عيني على وجه امي المبتسم،وهي تقف في منتصف البيت تحمل على أكتافها عبء كل ما نحتاجه ليومنا ،وهاهو أبي يجلس ممسكا بتلك الجريدة بين يديه ،فقد إعتاد مطالعتها كل صباح ،مرتشفا فنجان قهوته التي ملأت رائحتها أرجاء الصالة....
فنتراكض انا وإخوتي عبر الممر الذي يمتد إلى غرفة فارغة تخبز بها أمي صباحا لنا تلك الأرغفة الساخنة ،المدهونة بالزيت والزعتر،فرائحتها كفيلة بأن تشعرك بالجوع ،لم اتذوق للآن ألذ منها،يأخذ كل منا حصته ويضعها في حقيبة المدرسة،مقبلين يد أبي وأمي مودعين لهم..
نبدأ يومنا المدرسي بالركض عبر ساحاتها لشدة حبنا بها،فهاهي الآنسة وداد تقف لإستقبالنا ملوحة لنا بيدها،معلمة اللغة الإنجليزية،وأمنا الثانية ،لازالت ذكراها عالقة في مخيلتي رغم تلك السنين لطيب قلبها ورقة إحساسها...
ندخل الفصل وتبدأ معركتنا مع علوم حياة،وتاريخ معاصر،وفيزياء،لطالما عشقت الكيمياءومعادلاتها،ومختير المدرسة الذي كنت اكتب فيه أبحاثي ،لازلت أذكر صديقتي إيمان،فقد تقدمنا ببحثنا إلى معلمة الكيمياء التي صعقت من هول تلك المفاعلات الكيميائية ،التي حضرناها لعمل تفجير جيلوجي تحت الارض ،فقد كنت اعشق سر مثلث برمودا،وكان بودي تفجير طبقات ذلك المثلث لمعرفة مايخبئ بأحشائه..
أما مادة اللغة العربية ،فقد كنت أهرع الى المكتبة الرائعة ،وابدأ رحلة البحث من كتاب إلى آخر ،عن عجائب الدنيا السبعة،فأعشق كل ماهو غامض،لينتهي يومنا المدرسي بحصة الفن،فألطخ ملابسي بالألوان الزيتية والمائية ،محدثتا فوضى ،تشبى فوضى مشاعري،كم كنت أشعر بالراحة بعدها..
لن أنس تلك الضحكات البريئة التي كانت تجمعنا بفطور جماعي مع معلمة المهني ،في باحة المدرسة،تذوقنا بها فرحة الطفولة ،وطهارتها...
يدق جرس المدرسة ،لإعلان نهاية الدوام المدرسي،فنبدأ بجمع أشيائنا المتناثرة المتبقية من آثار يوم صاخب ،يحمل معه أفراحنا وزلاتنا الصغيرة ،راكضين بها إلى حضن أمي المنتظره كل منا خلف بوابة بيتنا الجميل ...
تلك الأيام لن تعود ،وتلك الإبتسامة البريئة يستحال أن تعاد،وتلك الوجوه صعب علينا إسترجاعها..
رحم الله ذكرياتنا الجميلة ،وأدام علينا نعم كثيرة...
ذكريات كانت ولا زالت في رحم مخيلتنا عصي علينا نسيانها.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق