الاثنين، 17 يناير 2022

نص نثري تحت عنوان{{ يوميات مغترب }} بقلم الشاعرة التونسية القديرة الاستاذة {{رفيعة الخزناحي }}


 يوميات مغترب 

ساعة أو ساعتين لا أدري تقريبا ، وستبدأ مقابلة كرة القدم ، الشوارع شبه خالية ، الكل بمكان ما قرب التلفاز يترقب بفارغ الصبر المقابلة ، إلا هو ، كان يتبختر لوحده وبكل هدوء وسط شوارع العاصمة ، وأحيانا يضرب حصى برجله كما الكرة أو يرمي يده هنا وهناك على واجهة مغازة أو عمود كهربائي ، يشعر بنشوة وكأنه غنم شيئا عظيما ، يمشي ويمشي ويشتم الروائح وكأنه قط جائع تدغدغه رائحة السمك المقلي ؛ هو الآن وسط شارع رئيسي ، عادة يكون جد مكتض بالمارة في مثل هذا الوقت ، قرب موعد انطلاق المباراة ، أسرع الخطى ليلتحق بالبار ، حانته المعتادة ، حانة الرفاق كما يطلق عليها ، هو سعيد لأنه سيحتسي كأس جعته مرفوقا ببيع سمكات مشوية وقطع جبن بجوارها، نزل السلم بكل انتباه لأنه عادة ما يتعثر بدرجاته وهو بهذا العمر لا يحق له السقوط وخاصة في بعض الحالات ، مثل مرور بالقرب منك ، سيدات جميلات أشهى من السمكات ، عرائس بحر قذفها ذلك الأزرق ساعة غضب أو قل بمعجزة إلهية؛ الروائح تجذبه أكثر فأكثر ، والمقابلة بدأت ، أسرع الخطى وانتهى به الأمر بالمكان المخصص له ،طلب ما يشفي غليله ويطفيء ضمأه ؛ بدأت المقابلة بقوة ، والحماس على أشده ، والأعناق تتسابق مع الكؤوس ،الكأس تلو الكأس ، اشتد الضغط النفسي وتتالت معه الكؤوس ، الخمرة والكرة ، والسمك والجبن ، أساس هذه السهرة ؛ انتهت المقابلة بانتصار فريقه ،كان يردد بعض الكلمات تارة شتما وأخرى اعجابا ، تناول آخر كأس كمؤنة لطريق العودة ؛ وهنا يعود صاحبنا إلى وعيه وينتبه إلى نفسه ؛ لم يكن هناك لا حانة ولا سمك وكؤوس ... ولا تلك الحوريات البحرية ، كل ما في الأمر ، هي صور وذكريات مرت بخاطره وهو يعبر هذا الشارع وهذه الأماكن بعد غياب طال لسنوات ببلاد الغربة ، ولكنه لم يجد من تلك الصور شيئا ، الكل تغير هنا معالم المدينة التي بذاكرته اندثرت ولم يبقى منها إلا ما رحم ربي ، ترى أين ذهبت تلك الروائح ، وتلك المعالم وتلك الروح ؟ 

رفيعة الخزناحي 
تونس 
#هلوساتي

ليست هناك تعليقات: