الأحد، 10 أبريل 2022

قصة قصيرة بعنوان{{مقعد و راحل}} بقلم الكاتب والقاصّ العراقي القدير الاستاذ {{ جاسم الشهواني}}


قصة .. ( مقعد و راحل )

بعد أن فقد الأمل بإحداث التغير لمحيطه الذي نشأ فيه . شعر بالخيبة و الإنكسار و قرر الرحيل لغير عودة . لم يحدد وجهة معينة ليقصدها . كان همه الوحيد أن يبتعد .
حمل حقيبته و اتجه مباشرةً الى محطة القطار . قطع تذكرة و سار بإتجاه الباب المؤدي لرصيف المحطة . فضل الانتظار بالهواء الطلق بدل الجلوس بالقاعة الداخلية . نظر لوجوه المسافرين الذين كانوا ينتظرون قدوم ذلك العملاق الحديدي الذي لاقلب له ليأخذهم للمقاصدهم . شعر بالتعب من طول الانتظار . سار بإتجاه مقعد خشبي مثبت على أرضية الرصيف . جلس ليريح قدميه و ليدخن سيجارة . نظر لساعة المحطة الكبيرة . هز رأسه مازال أمامي ساعة كاملة ليصل قطاري المنتظر . و على حين غرة سمع صوت أنين من تحته و من خلفه ؟
إرتعب الراحل وقفز من مكانه مذعورا
يا إلهي ما هذا ؟
هل هذا المقعد مسكون ؟
كانت عيناه حائرتان تبحثان عن أي شيء يقنعها بأنه مجرد وهم . و إن ذلك الصوت
من صنع خياله . لكن صوت الأنين مازال يسمع !
أنصت ليحدد مصدره . كانت المفاجئة ؟
المقعد الخشبي هو من كان يصدر منه صوت الأنين ؟
ذهل الرجل .. تردد كثيراً ، هو خائف بالفعل ، لكن الفضول دفعه للإقتراب 
قال المقعد للراحل مابك لِمَ أنت خائف
أنا مجرد جماد كما تقولون . لاروح تسكنني ، لاقلب لي ، لا إحساس و لاشعور
أنتم أيها البشر من جعلني أتكلم ؟
بطغيانكم وجبروتكم وغلظة قلوبكم ، أنا
أكثر إنسانية منكم .
بداخل تجويف أفواهمك ألسنة تجيد في الحديث . أقوالك كثيرة و أفعالكم قليلة
قساة أنتم ياسيدي ؟
تزرعون الحقل بالياسمين و تمنعون عن السقي ليذبل قبل يبلغه الربيع . حقولكم تبذرونها حباً و لاتحصدون . لتموت السنابل واقفة و مثقلة بأحمالها !
تحبون و تهجرون ، تبنون و تهدمون !
سقف أحلامكم تعانق السماء ، و لاتسعون لتحقيقها فتسعدون . الحياة أبسط مما تظنون .
كل يوم يسرد العابرون عشرات الحكايات
وهم على ظهورنا جالسون . كرهت مكوثي هنا . كل من جلس فوقي مازلت أحتفظ بتفاصيل جسده و أنت آخره ياسيدي .
زوجة تنتظر بشغف قدوم من شاركها حلمها ، وأولاد تملء عيونهم دموع الحنين
و تلك الأم المكسورة تحمل بين يديها كيس الحلوة لتطلقها للسماء قبل الزغاريد
ما أقساك يا إبن آدم ؟
ألم تستوقفكم كلمة أو ضحكة او موقف تذكره لمن تركتهم من غير وداع ؟
ما أسرعكم بحمل الحقائب و على محطات الهجر تتهافتون !
محطاتكم لم تكن في أي يوم من الأيام محطات حياة . وقطاركم عنوانه قطار الذكريات !
تعشقون الهروب بعد نحر ضحاياكم بنصل بارد . ليبتلعكم ذلك الضخم ويلقي بكم بأرض ليست بأرضكم وأناس لم ولن يكونوا بأي من الأيام لكم محيط !
أنتم تشبهون قطاركم بل أنتم أشد قسوة منه .
صمت المقعد الخشبي 
تنهد الراحل بعمق كبير و كأنه أدخل كل الهواء الذي ملء فضاء المحطة . ليخرج زفيراً ثقيل الوزن قاتم اللون . 
كانت لحظة المواجهة ، لحظة الحقيقة الصادمة ، مقعد خشبي لقن ذلك الرجل درساً لن ينساه . أطال النظر للمقعد ، بعدها مد يده ليحمل حقيبته و سار بإتجاه باب المغادرة ، عند الباب توقف وأخرج من جيبه تذكرة القطار ، مزقها ورامها على الأرض و سحقها بقدمه . نظر للمقعد وجده مبتسماً ، فابتسم و أكمل طريقه لمحيطه الذي نفر منه بعد ان تملكه الحنين

                         تمت

                                       الكاتب
                                 جاسم الشهواني 

ليست هناك تعليقات: