الأحد، 28 أغسطس 2022

قصة قصيرة تحت عنوان{{اليتيمة}} بقلم الكاتبة القاصّة الجزائرية القديرة الأستاذة{{نعيمة غنيات}}


.................اليتيمة ...............
منذ زمان يحكى أن إمرأة ماتت و تركت طفلة رضيعة لم تتجاوز خمسة شهور، إسمها رحيل .
 كفلها أبوها ،  اشترى لها عنزة لترضعها  الحليب ، تعلقت بها كثيرا و أحبتها كأنها أمها ، و لما بلغت خمس سنوات ، تزوج أبوها من إمرأة لها طفلة في نفس عمرها ، و عدته أن تهتم برحيل و يهتم هو  بإبنتها  .
كل صباح تستيقظ رحيل تذهب الى العنزة ترضع الحليب و بعد ذلك تقوم باللعب و الغناء، و كلها فرح و مرح ، أما إبنة زوجة الاب تبدأ صباحها بالصراخ  و البكاء، اغتاضت الام من إبنتها و من منظرها العبوس ، عكس اليتيمة التى تشع جمالا و بهاء ، و بعد أيام و شهور أخلفت زوجة الاب وعدها .
منعت الطعام على رحيل، و أمرتها برعي العنزة ، كل صباح تأخذها إلى الحقول الخضراء و تعود بها في المساء .
كانت العنزة تذهب الى مكان به شجرة تتسلقها،  تتساقط حبات التفاح تأكل رحيل حتى تشبع، و هذا ما زاد في نظارة و حسن وجهها ، مع مرور السنين لاحظت زوجة الاب بنية  و بهاء جسم  اليتيمة .، رغم حرمانها من  الطعام . 
و شحوب ابنتها رغم  أنها تأكل ما لذ و طاب احتارت في أمرها ، أرادت أن تذبح العنزة ، لكن زوجها رفض و لم يسمح بذلك،  لما بلغت رحيل خمسة عشر سنة توفي والدها حزنت كثيرا على من كان لها سند . 
 كالعادة تستيقظ في الصباح تأخذ العنزة للرعي و تعود في المساء، و في أحد الأيام لحقت زوجة الاب برحيل إلى الحقول و فهمت كل شيء .
في أحد الليالي خرجت مع ابنتها و تحمل سلال حتى وصلت إلى الشجرة، قطفت التفاح و امتلأت كل السلال، ثم  قامت بقطع الشجرة ، و همت بالرجوع و بينما هما في  منتصف  الطريق صرخت الإبنة و سقطت،   لدغتها أفعى ماتت في الحال ، جزعت الام أيام و شهور ، و كلما أرادت اليتيمة أن تواسيها، نظرت إليه بحقد و كره شديد. 
صارت اليتيمة خائفة و مرتعبة لكن ما باليد حيله، و في أحد الليالي  الباردة سمعت زوجة أبيها تتحدث مع قريبتها تطلب منها المساعدة في طريقة تتخلص من العنزة و اليتيمة في مكان بعيد لا يستطيع أحد أن يكشف السر ، أجابتها قريبتها أعطيني مهلة يومين لكي نتدبر الأمر، 
خافت رحيل و بعد منتصف الليل هربت و معها العنزة إلى أحد الغابات البعيدة،  تسلقت شجرة عالية اتخذتها مضجعا  و العنزة تأكل من  الغابة، و كل صباح و مساء تشرب الحليب و تأكل من ثمار الأشجار، بقيت شهر على هذا الحال خائفة تترقب من بعيد ،
 و في أحد الأيام ، بينما قريبة زوجة الاب تجمع الحطب ، رأت العنزة أسرعت إلى قريبتها و أخبرتها، و في مساء ذلك اليوم تفقدت اليتيمة العنزة بحثت عنها كثيرا  وجدتها ميتة و بجانبها رسالة ، فتحتها: بالأمس ماتت ابنتي  و اليوم ذبحت العنزة،  و سأحرق الغابة لكي تحترقي كما أحترقت انا ، على فلذة كبدي، لا أترككٍ بسلام .
ناحت رحيل على العنزة و احتضنتها بشدة و صرخت لكن دون جدوى ماتت ، فجأة رفعت رأسها رأت دخان كثيف و نار من بعيد تشتعل ، أسرعت تجري حتى ابتعدت ، رأت كهف و من شدة الخوف التجأت إليه، و إذ بنور خافت يشع من بعيد تبعته ، حتى وصلت إلى غرفة جميلة مزينة بالاضواء و الورود تجلس في وسطها عجوز ، تبسمت لها ، تقدمت رحيل و هي ترتعد و تطلب المساعدة ، أجلستها على ركبتيها و خففت من  حدة توترها و قدمت لها كأس من الماء. 
 قصت عليها قصتها ، حزنت العجوز و قالت : لا عليك ، انت في مأمن هنا ، و لا تستطيع الوصول إليك ، بقيت مع العجوز أربع سنوات ، و لن تنسى العنزة ، دوما تبكي و تتحدث عنها ، لكن العجوز أجبرت بخاطرها و تقول انا هنا معك ، احميك، و علمتها الدروس و المواعظ، و التداوي بالاعشاب و مع الوقت  أصبحت تصنع الأدوية بالاعشاب ، و العجوز تسلمها للمرضى و تخفيها عن الأنظار، خشية عليها من زوجة أبيها،
 في أحد الأيام مرضت العجوز، سلمت لرحيل صندوق ، طلبت  منها أن لا تفتحه إلا بعد موتها .
 ماتت العجوز ، حزنت عليها ، و تذكرت وصيتها، فتحت الصندوق وجدت فيه مفتاح، و مجوهرات و بعض المال ، و رسالة، فتحتها ، أخذت المفتاح و هناك غرفة مغلقة بإحكام  فتحتها و إذ بجدار كبير و عالي و يوجد عليه سلم صعدت عليه  ، وجدت سبعة أبواب،  فتحتهم  الواحد تلو الآخر ، حتى أطلت على مدينة جميلة ، بها قصور و مباني فخمة ، دخلت المدينة على غفلة ، و اختفت في بادئ الأمر،  و خلال  اسابيع خرجت و تعرفت على أهل المدينة .   و الكل منبهر بجمالها و حسنها و أخلاقها .
 سمع الناس أنها تداوي بالاعشاب و ادويتها فعالة ، ذاع اسمها، و اشتهرت . 
و في أحد الأيام مرضت إبنة الملك و استعصى مرضها ، عجز الأطباء على  علاجها ، سمع الملك ب  الحكيمة الجديدة أمر باحضارها إلى القصر ، عالجت الأميرة و بإذن الله شفيت ، طلب الملك من رحيل أن تصبح طبيبة العائلة الحاكمة و تستقر في القصر ، قصت حكايتها و هروبها من زوجة أبيها و لقائها بالعجوز ، و لما سمع الملك غضب و انفعل بشدة، و عرف من هو المتسبب في الحريق الذي ذهب ضحيته أبرياء ، و الضرر الذي لحق بالثروة النباتية و الحيوانية، و أمر بالقبض على المجرمة ، و  لما دخلت القصر و هي مقيدة بالسلاسل ، رأت اليتيمة في أبهى و اجمل صورة ، و ما تحظى به من احترام و تقدير ، لم تتحمل المنظر من شدة بغضها و حسدها،  انفجرت كل عروقها بالدماء و ماتت حسرة و غيضا قبل اصدار الحكم ، فكان أسوء جزاء ، أما اليتيمة عاشت في القصر سعيدة و الكل يحبونها، و لن تنسى العنزة و العجوز، و تحمل لهما الحب الكبير و الوفاء .

نعيمة غنيات '  الجزائر - 

ليست هناك تعليقات: