.................اليتيمة ...............
منذ زمان يحكى أن إمرأة ماتت و تركت طفلة رضيعة لم تتجاوز خمسة شهور، إسمها رحيل .
كفلها أبوها ، اشترى لها عنزة لترضعها الحليب ، تعلقت بها كثيرا و أحبتها كأنها أمها ، و لما بلغت خمس سنوات ، تزوج أبوها من إمرأة لها طفلة في نفس عمرها ، و عدته أن تهتم برحيل و يهتم هو بإبنتها .
كل صباح تستيقظ رحيل تذهب الى العنزة ترضع الحليب و بعد ذلك تقوم باللعب و الغناء، و كلها فرح و مرح ، أما إبنة زوجة الاب تبدأ صباحها بالصراخ و البكاء، اغتاضت الام من إبنتها و من منظرها العبوس ، عكس اليتيمة التى تشع جمالا و بهاء ، و بعد أيام و شهور أخلفت زوجة الاب وعدها .
منعت الطعام على رحيل، و أمرتها برعي العنزة ، كل صباح تأخذها إلى الحقول الخضراء و تعود بها في المساء .
كانت العنزة تذهب الى مكان به شجرة تتسلقها، تتساقط حبات التفاح تأكل رحيل حتى تشبع، و هذا ما زاد في نظارة و حسن وجهها ، مع مرور السنين لاحظت زوجة الاب بنية و بهاء جسم اليتيمة .، رغم حرمانها من الطعام .
و شحوب ابنتها رغم أنها تأكل ما لذ و طاب احتارت في أمرها ، أرادت أن تذبح العنزة ، لكن زوجها رفض و لم يسمح بذلك، لما بلغت رحيل خمسة عشر سنة توفي والدها حزنت كثيرا على من كان لها سند .
كالعادة تستيقظ في الصباح تأخذ العنزة للرعي و تعود في المساء، و في أحد الأيام لحقت زوجة الاب برحيل إلى الحقول و فهمت كل شيء .
في أحد الليالي خرجت مع ابنتها و تحمل سلال حتى وصلت إلى الشجرة، قطفت التفاح و امتلأت كل السلال، ثم قامت بقطع الشجرة ، و همت بالرجوع و بينما هما في منتصف الطريق صرخت الإبنة و سقطت، لدغتها أفعى ماتت في الحال ، جزعت الام أيام و شهور ، و كلما أرادت اليتيمة أن تواسيها، نظرت إليه بحقد و كره شديد.
صارت اليتيمة خائفة و مرتعبة لكن ما باليد حيله، و في أحد الليالي الباردة سمعت زوجة أبيها تتحدث مع قريبتها تطلب منها المساعدة في طريقة تتخلص من العنزة و اليتيمة في مكان بعيد لا يستطيع أحد أن يكشف السر ، أجابتها قريبتها أعطيني مهلة يومين لكي نتدبر الأمر،
خافت رحيل و بعد منتصف الليل هربت و معها العنزة إلى أحد الغابات البعيدة، تسلقت شجرة عالية اتخذتها مضجعا و العنزة تأكل من الغابة، و كل صباح و مساء تشرب الحليب و تأكل من ثمار الأشجار، بقيت شهر على هذا الحال خائفة تترقب من بعيد ،
و في أحد الأيام ، بينما قريبة زوجة الاب تجمع الحطب ، رأت العنزة أسرعت إلى قريبتها و أخبرتها، و في مساء ذلك اليوم تفقدت اليتيمة العنزة بحثت عنها كثيرا وجدتها ميتة و بجانبها رسالة ، فتحتها: بالأمس ماتت ابنتي و اليوم ذبحت العنزة، و سأحرق الغابة لكي تحترقي كما أحترقت انا ، على فلذة كبدي، لا أترككٍ بسلام .
ناحت رحيل على العنزة و احتضنتها بشدة و صرخت لكن دون جدوى ماتت ، فجأة رفعت رأسها رأت دخان كثيف و نار من بعيد تشتعل ، أسرعت تجري حتى ابتعدت ، رأت كهف و من شدة الخوف التجأت إليه، و إذ بنور خافت يشع من بعيد تبعته ، حتى وصلت إلى غرفة جميلة مزينة بالاضواء و الورود تجلس في وسطها عجوز ، تبسمت لها ، تقدمت رحيل و هي ترتعد و تطلب المساعدة ، أجلستها على ركبتيها و خففت من حدة توترها و قدمت لها كأس من الماء.
قصت عليها قصتها ، حزنت العجوز و قالت : لا عليك ، انت في مأمن هنا ، و لا تستطيع الوصول إليك ، بقيت مع العجوز أربع سنوات ، و لن تنسى العنزة ، دوما تبكي و تتحدث عنها ، لكن العجوز أجبرت بخاطرها و تقول انا هنا معك ، احميك، و علمتها الدروس و المواعظ، و التداوي بالاعشاب و مع الوقت أصبحت تصنع الأدوية بالاعشاب ، و العجوز تسلمها للمرضى و تخفيها عن الأنظار، خشية عليها من زوجة أبيها،
في أحد الأيام مرضت العجوز، سلمت لرحيل صندوق ، طلبت منها أن لا تفتحه إلا بعد موتها .
ماتت العجوز ، حزنت عليها ، و تذكرت وصيتها، فتحت الصندوق وجدت فيه مفتاح، و مجوهرات و بعض المال ، و رسالة، فتحتها ، أخذت المفتاح و هناك غرفة مغلقة بإحكام فتحتها و إذ بجدار كبير و عالي و يوجد عليه سلم صعدت عليه ، وجدت سبعة أبواب، فتحتهم الواحد تلو الآخر ، حتى أطلت على مدينة جميلة ، بها قصور و مباني فخمة ، دخلت المدينة على غفلة ، و اختفت في بادئ الأمر، و خلال اسابيع خرجت و تعرفت على أهل المدينة . و الكل منبهر بجمالها و حسنها و أخلاقها .
سمع الناس أنها تداوي بالاعشاب و ادويتها فعالة ، ذاع اسمها، و اشتهرت .
و في أحد الأيام مرضت إبنة الملك و استعصى مرضها ، عجز الأطباء على علاجها ، سمع الملك ب الحكيمة الجديدة أمر باحضارها إلى القصر ، عالجت الأميرة و بإذن الله شفيت ، طلب الملك من رحيل أن تصبح طبيبة العائلة الحاكمة و تستقر في القصر ، قصت حكايتها و هروبها من زوجة أبيها و لقائها بالعجوز ، و لما سمع الملك غضب و انفعل بشدة، و عرف من هو المتسبب في الحريق الذي ذهب ضحيته أبرياء ، و الضرر الذي لحق بالثروة النباتية و الحيوانية، و أمر بالقبض على المجرمة ، و لما دخلت القصر و هي مقيدة بالسلاسل ، رأت اليتيمة في أبهى و اجمل صورة ، و ما تحظى به من احترام و تقدير ، لم تتحمل المنظر من شدة بغضها و حسدها، انفجرت كل عروقها بالدماء و ماتت حسرة و غيضا قبل اصدار الحكم ، فكان أسوء جزاء ، أما اليتيمة عاشت في القصر سعيدة و الكل يحبونها، و لن تنسى العنزة و العجوز، و تحمل لهما الحب الكبير و الوفاء .
نعيمة غنيات ' الجزائر -
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق