الثلاثاء، 17 يناير 2023

ج(الخامس) من قصة {{العائد}} بقلم الكاتب القاصّ الأردني القدير الأستاذ{{تيسيرمغاصبه}}


 قصة متسلسلة 

     "العائد"
         -٥-

ما أن شعر عدنان بالضمأ من جديد حتى لمح من بعيد راع يرعى قطيع أغنامه بحثا عن ماترعاه في تلك الصحراء القاحلة المجدبة.
وصل عدنان إلى الراعي ..ألقى عليه التحية المعتاد عليها:

-مرحبا؟

-أهلا بك.

-أاجد ماء للشرب؟

-بكل تأكيد لاأحد يموت عطشا بوجود الله ،حتى لو كان في تلك الصحراء الواسعة.

أعطاه  القربة ..شرب حتى إرتوى ،وأعاد إليه قربته وقال شاكرا:

-أسق...أ ..أشكرك؟

- هنيئا مريئا ، يبدو  من ثيابك الممزقة أنه لايوجد معك زوادة طعام .

-نعم هذا صحيح؟

-ولكن ماهذا القماش الأبيض الذي تربطه حول خاصرتك ..لماذا أنت عار هكذا؟

-أنا عائد.

-أوووه..نعم أنت عائد ،المعذرة لم أتنبه لذلك ،إلى أين وجهتك؟

-في الحقيقة لاأعلم إلى أين  ستقودني قدماي ،فأنا أبحث عن المدنية ،عندما عدت أردت البحث عن الأهل والأقارب لكني تفاجأت بأن الدنيا قد تغيرت..ياترى ماذا حدث للدنيا بغيابي؟

-لاأظنها تغيرت، فأنا ولدت والدنيا هكذا ..إما صحراء،وإما بحر .

-هذا يعني أنه لايوجد أي من مظاهر المدنية.

-أبدا؟

-أيوجد لك أسرة ؟

-نعم،ونحن نعيش بفضل تربية تلك الأغنام ،بالطبع بعد رعاية  الله لنا.

توجه الراعي إلى حماره ،وبحث في الخرج ثم أخرج منه قربة ماء فارغة ،مدها إلى عدنان وقال له:

-حتى لا أنسى ،خذ هذه القربة وإملاأها بالماء من هذا النبع ،عليك الحذر وتعلم أن لاتمشي في طريق من غير ماء ،فالإنسان قد يأكل من نبات الأرض، لكنه لايمكن أن يحيا من غير قطرة ماء في كل حين ؟

-أشكرك أخي..ماأسمك؟

-أنا أسمي صخر.

-أنت بالفعل كالصخر ،تشرفت بمعرفتك أنا أسمي عدنان؟

-وأنا أيضا تشرفت بمعرفتك.

مد صخر يده في جيبه وأخرج منها قداحة وقال له:

-هذه قداحة ،احتفظ بها ،إن خيم الليل لاتمشي ،فالليل صديق الغدر، عليك باللجوء إلى إحدى الكهوف وإشعال النار حتى الصباح ،ومن ثم تتابع مشيك ،يبدو أنك لست بدوي؟

-هذا صحيح ،أنا لست بدويا.

-هذه مشكلة..إذن عليك أن تكون حريصا من أخطار الصحراء ،الوحوش ،الغيلان، الشياطين،الجان ،الرمال المتحركة وماشابه.

-يبدو أن النهار يمضي سريعا ،أشكرك أخي صخر على تقديمك العون لي .

-لاداعي للشكر ،نحن بدو وأن هذه من عاداتنا،والأن بأمكانك المغادرة قبل حلول الظلام وأتركني لأصلي..لقد حان موعد الصلاة؟

-هل أنت مؤمنا؟

-بكل تأكيد ،أن كبر الصحراء ورهبتها ..وإرتفاع السماء ..وعمق البحار ..والطير في السماء، أن كذلك يدل على أن للكون خالق.

جلس صخر متربعا ..رفع يديه إلى السماء وبدأ يتمتم بينما عدنان كان لايزال واقفا ينظر إليه،
بقي يراقبه حتى إنتهى من صلاته الغريبة ،ثم نظر إلى السماء وشكر الله على نعمته وما لبث أن نهض من جديد ،
سأل عدنان مستغربا :

-هل هذه هي صلاتك؟

-نعم بكل تأكيد.

-وماذا كنت تقول أثناء صلاتك ؟

- كنت أقول إللهي أطل عصاي ولاتكسرها..وأكثر من عدد أغنامي ولاتنقصها..وأرزقني المزيد من الأولاد بأعداد تفوق أعداد أغنامي.

-لكن الصلاة ليست هكذا؟

-حقا.

-نعم أذكر أني كنت في فترة ما من المصلين ؟

-بما أنك من العائدين ،بالله عليك أن تعلمني الصلاة الصحيحة وأن تزد من إيماني بما رأيت.

شعر عدنان بأنه قد وقع بالتناقض من جديد وقال متداركا الوضع:

-لايوجد لدي الوقت الكافي لتعليمك الصلاة ،قد يباغتني الليل الغادر.

-سأعطيك نصف أغنامي ؟

-الأغنام لاتلزم في وضع كوضعي ،ثم أن الأعمال بالنيات ،أن صلاتك مقبولة  ؟

" ........أه ،اللعنة ماذا قلت ،لكني غير مؤمن "

-لماذا تهرب من فعل الخير والدعوة للإيمان؟

-لقد كذبت عليك، فأنا لست مؤمنا.

إستدار عدنان ومشى مسرعا تاركا البدوي ينظر إليه بخيبة أمل.

(يتبع....)
تيسيرمغاصبه 
١٧-١-٢٠٢٣

ليست هناك تعليقات: