قصة قصيرة
الظعنُ الغارق ...
شارف شهر شباط على الانتهاء وانخفضت كمية مياه الشتاء إلى درجة كبيرة وأصبحت على وشك التوقف وهو من أشهر الشتاء ذات الزخم الكبير بكمية الأمطار التي تهطل خلال أيامه و تتسبب بسيول مائية كثيرة تجري عبر الوادي فتُحرم العائلات البدوية من إقامة ظعونهم ونصب خيامهم على أرض باطن الوادي المليء بالأعشاب والكلأ حيث تنتشر أغنامهم للرعي؛ ومع انتهاء شهر شباط واعتدال الطقس والجو، والشمس تنشر الدفء في الوادي الذي أصبح مُغرياً للبدو لإعادة أقامه ظعونهم ونصب خيامهم على أرضه بعد أن اطمأنت قلوبهم لتوقف المطر والعواصف وأصبح الوادي آمناً.
نُصبت الخيام وأشعلت نار الحطب وانتشرت الأغنام ترعى الأعشاب ونشط الرعاة وسعد الناس بهذا الجو الربيعي الجميل فتراقصن الصبايا على أصوات الشبابة والدفوف وصوت أقدام الشباب الذين يُمارسون الدبكة استمتاعاً بهذا الجو الربيعي .
انطلقت أصوات الصبايا بالأهازيج التي تُعتبر عن فرحتهم بانتهاء شهر شباط وأصوات كفوفهن تتلاقى مع أهازيجهن الشامتة بشهر شباط وهن يقُلن ( راح شباط الخباط لا أخذ عنزة ولا أخذ رباط ) .
صُدم شهر شباط من شماتتهن به وهو الشهر الذي زاد لهم من خيرات المياه والأعشاب وحَزن كثيراً لإنكارهن لخيراته ؛ فتوجه بالحديث لشهر آذار وتوسل إليه بأن يُقرضه ثلاثة أيام بلياليها من أيامه الطويلة حتى يتمكن من الإنتقام من تلك العائلات البدوية الشامتة والناكرين لخيراته .
وافق شهر آذار على إقراض شهر مارس الثلاثة أيام الأولى من أيامه، فكانت أياماً أمتلأ فضاء الوادي خلالها بالغيوم و تفجر الرعد وأضاء البرق بشدته سماء الوادي وأنهمر المطر بغزارة لم يسبق لها أن كانت بهذه الغزارة، فجرت المياه وتلاقت جميعها في مجرى الوادي الجاف وشكلت وادياً كبيراً من الماء يجري بسرعة وقوة لم يعهدها سكان الوادي من قبل، فجرف الخيام والظعون والأغنام والكثير من النساء والرجال والأطفال فانقطعت الأهازيج وجرفهم السيل العارم والقى بهم إلى مصبه في البحر.
علقت البدوية وضحة على غصن شجرة ولم تغرق وهي تنظر إلى الوادي الذي أصبح كعصف مأكول؛ وهي تقول :
راح شباط الخباط واتانا آذار أبو الزلازل والأمطار.. لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
د. عز الدين حسين أبو صفية
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق